الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ضربت عليهم الذلة أي ذلة هدر النفس والمال والأهل ، وقيل : ذلة التمسك بالباطل وإعطاء الجزية ، قال الحسن : أذلهم الله تعالى فلا منعة لهم ، وجعلهم تحت أقدام المسلمين ، وهذا من ضرب الخيام والقباب كما قاله أبو مسلم ، قيل : ففيه استعارة مكنية تخييلية ، وقد يشبه إحاطه الذلة واشتمالها عليهم بذلك على وجه الاستعارة التبعية ، وقيل : هو من قولهم : ضرب فلان الضريبة على عبده أي ألزمها إياه ، فالمعنى ألزموا الذلة وثبتت فيهم فلا خلاص لهم منها أين ما ثقفوا أي وجدوا ، وقيل : أخذوا وظفر بهم ، و ( أينما ) شرط ، و ( ما ) زائدة ، وثقفوا في موضع جزم ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أو هو بنفسه على رأي . إلا بحبل من الله وحبل من الناس استثناء مفرغ من أعم الأحوال ، والمعنى على النفي أي لا يسلمون من الذلة في حال من الأحوال إلا في حال أن يكونوا معتصمين بذمة الله تعالى أو كتابه الذي أتاهم وذمة المسلمين ، فإنهم بذلك يسلمون من القتل والأسر وسبي الذراري واستئصال الأموال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أي إلا في حال أن يكونوا متلبسين بالإسلام واتباع سبيل المؤمنين ، فإنهم حينئذ يرتفع عنهم ذل التمسك والإعطاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وباءوا بغضب من الله أي رجعوا به وهو كناية عن استحقاقهم له واستيجابهم إياه من قولهم باء فلان بفلان إذا صار حقيقا أن يقتل به ، فالمراد صاروا أحقاء بغضبه سبحانه ، والتنوين للتفخيم ، والوصف مؤكد لذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وضربت عليهم المسكنة فهم في الغالب مساكين وقلما يوجد يهودي يظهر الغنى . ( ذلك ) أي المذكور من المذكورات بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله الدالة على نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ويقتلون الأنبياء بغير حق أصلا ، ونسبة القتل إليهم مع أنه فعل أسلافهم على نحو ما مر غير مرة .

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( 211 ) إشارة إلى كفرهم وقتلهم الأنبياء عليهم السلام على ما يقتضيه القرب فلا تكرار ، وقيل : معناه أن ضرب الذلة وما يليه كما هو معلل بكفرهم وقتلهم فهو معلل [ ص: 30 ] بعصيانهم واعتدائهم ، والتعبير بصيغة الماضي والمضارع لما مر ، ثم إن جملة ( منهم المؤمنون ) وكذا جملة ( لن يضروكم ) وما عطف عليها واردتان على سبيل الاستطراد ولذا لم يعطفا على الجملة الشرطية قبلهما ، وإنما لم يعطف الاستطراد الثاني على الأول لتباعدهما وكون كل منهما نوعا من الكلام ، وقال بعض المحققين : إن هاتين الجملتين مع ما بعدهما مرتبط بقوله تعالى : ولو آمن مبين له ، فقوله سبحانه : منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون مبين لذلك باعتبار أن المفروض إيمان الجميع ، وإلا فبعضهم مؤمنون رفعا لسوء الظن بالبعض ، وقوله عز شأنه : لن يضروكم بيان لما هو خير لهم وهو أنهم لعدم إيمانهم مبتلون بمشقة التدبير لإضراركم وبالحزن على الخيبة وتدبير الغلبة عليكم بالمقابلة والغلبة لكم ، وفي طلب الرياسة بمخالفتكم ، وضرب الله تعالى عليهم الذلة لتلك المخالفة ، وفي طلب المال بأخذ الرشوة بتحريف كتابهم وضرب الله عليهم المسكنة ، ولو آمنوا لنجوا من جميع ذلك انتهى ، ولا يخفى أن هذا على تقدير قبوله وتحمل بعده لا يأبى القول بالاستطراد لأنه أن يذكر في أثناء الكلام ما يناسبه وليس السياق له ، وإنما يأبى الاعتراض ولا نقول به فتأمل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية