الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
القسم الخامس عشر الزيادة في بنية الكلمة واعلم أن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ، ثم نقل إلى وزن آخر أعلى منه ; فلا بد أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا ; لأن الألفاظ أدلة على المعاني ; فإذا زيدت في الألفاظ وجب زيادة المعاني ضرورة .

ومنه قوله تعالى : فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ( القمر : 42 ) فهو أبلغ من " قادر " ; لدلالته على أنه قادر متمكن القدرة ، لا يرد شيء عن اقتضاء قدرته ، ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى .

وكقوله تعالى : ( واصطبر ) ( القمر : 27 ) فإنه أبلغ من الأمر بالصبر من " اصبر " .

وقوله : لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( البقرة : 286 ) لأنه لما كانت السيئة ثقيلة وفيها تكلف زيد في لفظ فعلها .

وقوله تعالى : وهم يصطرخون فيها ( فاطر : 37 ) ; فإنه أبلغ من " يتصارخون " .

وقوله تعالى : ( فكبكبوا فيها ) ( الشعراء : 94 ) ولم يقل : " وكبوا " قال الزمخشري : والكبكبة تكرير الكب ، جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى ، كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب كبة مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها ، اللهم أجرنا منها خير مستجار .

وقريب من هذا قول الخليل في قول العرب : صر الجندب ، وصرصر البازي ، [ ص: 117 ] كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة فقالوا : صر صريرا ، فمدوا وتوهموا ، في صوت البازي تقطيعا ، فقالوا : " صرصر " .

ومنه الزيادة بالتشديد أيضا ; فإن " ستارا " و " غفارا " أبلغ من " ساتر " و " غافر " ; ولهذا قال تعالى : فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ( نوح : 10 ) ; ومن هذا رجح بعضهم معنى " الرحمن " على معنى " الرحيم " ; لما فيه من زيادة البناء ، وهو الألف والنون ، وقد سبق في السادس .

ويقرب منه التضعيف - ويقال التكثير - وهو أن يؤتى بالصيغة دالة على وقوع الفعل مرة بعد مرة ، وشرطه أن يكون في الأفعال المتعدية قبل التضعيف ; وإنما جعله متعديا تضعيفه ; ولهذا رد على الزمخشري في قوله تعالى : وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا حيث جعل ( نزلنا ) هنا للتضعيف .

وقد جاء التضعيف دالا على الكثرة في اللازم قليلا ، نحو : موت المال .

وجاء حيث لا يمكن فيه التكثير ; كقوله تعالى : لولا أنزل عليه آية من ربه ( الرعد : 7 ) لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( الإسراء : 95 ) .

فإن قلت : فأمتعه قليلا ( البقرة : 126 ) مشكل على هذه القاعدة ; لأنه إذا كان " فعل " للتكثير فكيف جاء " قليلا " نعتا لمصدر " متع " وهذا وصف كثير بقليل ، وإنه ممنوع .

قلت : وصف بالقلة من حيث صيرورته إلى نفاد ونقص وفناء .

واعلم أن زيادة المعنى في هذا القسم مقيد بنقل صيغة الرباعي غير موضوعة لمعنى ; فإنه لا يراد به ما أريد من نقل الثلاثي إلى مثل تلك الصيغة ; فقوله تعالى : وكلم الله موسى تكليما ( النساء : 164 ) لا يدل على كثرة صدور الكلام منه ; لأنه غير منقول عن ثلاثي .

وكذا قوله : ورتل القرآن ترتيلا ( المزمل : 4 ) يدل على كثرة القراءة على هيئة التأني والتدبر .

[ ص: 118 ] وكذا قوله تعالى : وما علمناه الشعر ( يس : 69 ) ليس النفي للمبالغة ; بل نفى أصل الفعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية