الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              5006 سورة الدخان : باب في قوله تعالى : « فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين

                                                                                                                              وهو في النووي ، في : (باب صفة القيامة ، والجنة والنار ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 140 ، 141 ج 17 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن مسروق ؛ قال : كنا ، عند عبد الله ، جلوسا -وهو مضطجع بيننا- ، فأتاه رجل ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ! إن قاصا -عند أبواب كندة- يقص ، ويزعم : أن آية الدخان ، تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ، ويأخذ المؤمنين منه : كهيئة الزكام .

                                                                                                                              [ ص: 786 ] فقال عبد الله -وجلس ، وهو غضبان- يا أيها الناس ! اتقوا الله ، من علم منكم شيئا : فليقل بما يعلم . ومن لم يعلم : فليقل : الله أعلم ، فإنه أعلم لأحدكم : أن يقول لما لا يعلم : الله أعلم ، فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين .

                                                                                                                              إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؛ لما رأى من الناس إدبارا ، فقال : «اللهم ! سبع كسبع يوسف » . قال : فأخذتهم سنة ، حصت كل شيء ، حتى أكلوا الجلود ، والميتة : من الجوع ، وينظر إلى السماء أحدهم ، فيرى كهيئة الدخان .

                                                                                                                              فأتاه أبو سفيان ، فقال : يا محمد ! إنك جئت تأمر : بطاعة الله ، وبصلة الرحم . وإن قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم .

                                                                                                                              قال الله عز وجل : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم إلى قوله : إنكم عائدون .

                                                                                                                              قال : أفيكشف عذاب الآخرة ؟ يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون .

                                                                                                                              فالبطشة : يوم بدر . وقد مضت آية الدخان ، والبطشة ، واللزام ، وآية الروم ) .


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن مسروق ؛ قال : كنا عند عبد الله جلوسا - وهو مضطجع بيننا - .

                                                                                                                              [ ص: 787 ] فأتاه رجل ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ! إن قاصا عند أبواب كندة ) هو باب بالكوفة (يقص ويزعم : أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ، ويأخذ المؤمنين منه : كهيئة الزكام . فقال عبد الله - وجلس وهو غضبان - : يا أيها الناس ! اتقوا الله ؛ من علم منكم شيئا : فليقل بما يعلم . ومن لم يعلم : فليقل : الله أعلم . فإنه أعلم لأحدكم ، أن يقول - لما لا يعلم - : الله أعلم . فإن الله عز وجل ، قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : «قل ما أسألكم عليه من أجر ، وما أنا من المتكلفين » . إن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، لما رأى من الناس إدبارا ، فقال : «اللهم ! سبع كسبع يوسف » . قال : فأخذتهم سنة ) .

                                                                                                                              «السنة » القحط ، والجدب . ومنه قوله تعالى : ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين .

                                                                                                                              (حصت كل شيء ) أي استأصلته ، (حتى أكلوا الجلود والميتة . من الجوع . وينظر إلى السماء أحدهم : فيرى كهيئة الدخان . فأتاه أبو سفيان ، فقال : يا محمد ! إنك جئت تأمر : بطاعة الله ، وبصلة الرحم . وإن قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم .

                                                                                                                              قال الله عز وجل : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ، [ ص: 788 ] إلى قوله : «إنكم عائدون » قال : أفيكشف عذاب الآخرة ؟ ) هذا استفهام إنكار ، على من يقول : إن الدخان يكون يوم القيامة ، كما صرح به في الرواية الثانية . فقال ابن مسعود : هذا قول باطل ، لأن الله تعالى قال : إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون . ومعلوم : أن كشف العذاب ، ثم عودهم : لا يكون في الآخرة . وإنما هو في الدنيا .

                                                                                                                              « يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون . ( فالبطشة : يوم بدر . وقد مضت آية الدخان ، والبطشة ، واللزام ، وآية الروم ) وفسرها كلها في الكتاب ، إلا اللزام ، والمراد به قوله سبحانه : «فسوف يكون لزاما » أي يكون عذابهم لازما ، قالوا : وهو ما جرى عليهم «يوم بدر » : من القتل ، والأسر . وهي البطشة الكبرى .

                                                                                                                              وقد روي هذا الحديث عنه رضي الله عنه ؛ من غير وجه . وروي نحوه : عن جماعة من التابعين ؛ كمقاتل ، ومجاهد .

                                                                                                                              قال الشوكاني في (فتح القدير ): ولا منافاة بين كون هذه الآية نازلة في الدخان ، الذي كان يتراءى لقريش من الجوع ، وبين كون الدخان : [ ص: 789 ] من آيات الساعة ، وعلاماتها ، وأشراطها . فقد وردت أحاديث صحاح وحسان وضعاف : بذلك . وليس فيها : أنه سبب نزول الآية . فلا حاجة بنا إلى التطويل بذكرها .

                                                                                                                              قال : والواجب التمسك بما ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن دخان قريش - عند الجهد والجوع - هو سبب النزول . وبهذا تعرف اندفاع ترجيح من رجح أنه الدخان الذي من أشراط الساعة : «كابن كثير » في تفسيره ، وغيره في غيره . وهكذا يندفع قول من قال : إنه الدخان الكائن «يوم فتح مكة » ، متمسكا بما أخرجه ابن سعد عن أبي هريرة ؛ قال : كان - يوم فتح مكة - دخان ، وهو قول الله تعالى : « فارتقب يوم تأتي السماء إلخ . فإن هذا لا يعارض ما في الصحيحين - على تقدير صحة إسناده - مع احتمال أن يكون أبو هريرة ، ظن من وقوع ذلك الدخان يوم الفتح : أنه المراد بالآية . ولهذا لم يصرح بأنه سبب نزولها . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية