الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ص: 231 ] فصل :

[ إبطال حيلة لإسقاط حق الشفعة ]

ومن الحيل الباطلة المحرمة التحيل على إسقاط ما جعله الله حقا للشريك على شريكه من استحقاق الشفعة دفعا للضرر ، والتحيل لإبطالها مناقض لهذا الغرض ، وإبطال لهذا الحكم بطريق التحيل .

وقد ذكروا وجوها من الحيل .

منها : أن يتفقا على مقدار الثمن ، ثم عند العقد يصبره صبرة غير موزونة ، فلا يعرف الشفيع ما يدفع ، فإذا فعلا ذلك فللشفيع أن يستحلف المشتري أنه لا يعرف قدر الثمن ، فإن نكل قضى عليه بنكوله ، وإن حلف فللشفيع أخذ الشقص بقيمته .

ومنها : أن يهب الشقص للمشتري ، ثم يهبه المشتري ما يرضيه ، وهذا لا يسقط الشفعة ، وهذا بيع وإن لم يتلفظا به ، فله أن يأخذ الشقص بنظير الموهوب .

ومنها : أن يشتري الشقص ، ويضم إليه سكينا أو منديلا بألف درهم ، فيصير حصة الشقص من الثمن مجهولة .

وهذا لا يسقط الشفعة ، بل يأخذ الشفيع الشقص بقيمته كما لو استحق أحد العوضين وأراد المشتري أخذ الآخر ، فإنه يأخذ [ هـ ] بحصته من الثمن إن انقسم الثمن عليهما بالأجزاء ، وإلا فبقيمته .

وهذا الشقص مستحق شرعا ; فإن الشارع جعل الشفيع أحق به من المشتري بثمن ، فلا يسقط حقه منه بالحيلة والمكر والخداع .

ومنها : أن يشتري الشقص بألف دينار ، ثم يصارفه عن كل دينار بدرهمين فإذا أراد أخذه أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد .

وهذه الحيلة لا تسقط الشفعة ، وإذا أراد أخذه أخذه بالثمن الذي استقر عليه العقد وتواطأ عليه البائع والمشتري ; فإنه هو الذي انعقد به العقد ، ولا عبرة بما أظهراه من الكذب والزور والبهتان الذي لا حقيقة له ; ولهذا لو استحق المبيع فإن المشتري لا يرجع على البائع بألف دينار ، وإنما يرجع عليه بالثمن الذي تواطأ عليه واستقر عليه العقد ; فالذي يرجع به عند الاستحقاق هو الذي يدفعه الشفيع عند الأخذ .

هذا محض العدل الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه ولا تحتمل الشريعة سواه .

ومنها : أن يشتري بائع الشقص من المشتري عبدا قيمته مائة درهم بألف درهم في ذمته ، ثم يبيعه الشقص بالألف .

وهذه الحيلة لا تبطل الشفعة ، ويأخذ الشفيع الشقص بالثمن الذي يرجع به المشتري على البائع إذا استحق المبيع ، وهو قيمة العبد . [ ص: 232 ]

ومنها : أن يشتري الشقص بألف وهو يساوي مائة ، ثم يبرئه البائع من تسع مائة .

وهذا لا يسقط الشفعة ، ويأخذه الشفيع بما بقي من الثمن بعد الإسقاط ، وهو الذي يرجع به إذا استحق المبيع .

ومنها : أن يشتري جزءا من الشقص بالثمن كله ، ثم يهب له بقية الشقص .

وهذا لا يسقطها ، ويأخذ الشفيع الشقص كله بالثمن ; فإن هذه الهبة لا حقيقة لها ، والموهوب هو المبيع بعينه ، ولا تغير حقائق العقود وأحكامها التي شرعت فيها بتغير العبارة .

وليس للمكلف أن يغير حكم العقد بتغيير عبارته فقط مع قيام حقيقته ، وهذا لو أراد من البائع أن يهبه جزءا من ألف جزء من الشقص بغير عوض لما سمحت نفسه بذلك ألبتة ، فكيف يهبه ما يساوي مائة ألف بلا عوض ؟ وكيف يشتري منه

. الآخر مائة درهم بمائة ألف ؟ وهل هذا إلا سفه يقدح في صحة العقد ؟ قال الإمام أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد ، وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة ، فقال : لا يجوز شيء من الحيل في ذلك ، ولا في إبطال حق مسلم .

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في هذه الحيل وأشباهها : من يخدع الله يخدعه ، والحيلة خديعة .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تحل الخديعة لمسلم } والله تعالى ذم المخادعين ، والمتحيل مخادع ; لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر ، فلو شرع التحيل لإبطالها لكان عودا على مقصود الشريعة بالإبطال ، وللحق الضرر الذي قصد إبطاله .

التالي السابق


الخدمات العلمية