الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
القسم السابع عشر خروج اللفظ مخرج الغالب كقوله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم ( النساء : 23 ) ، فإن [ ص: 120 ] الحجر ليس بقيد عند العلماء ; لكن فائدة التقييد تأكيد الحكم في هذه الصورة مع ثبوته عند عدمها ; ولهذا قال بعده : فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ( النساء : 23 ) ولم يقل : " فإن لم تكونوا دخلتم بهن ( النساء : 23 ) ولم يكن في حجوركم " فدل على أن الحجر خرج مخرج العادة .

واعترض بأن الحرمة إذا كانت بالمجموع فالحل يثبت بانتفاء المجموع ، والمجموع ينتفي بانتفاء جزئه ، كما ينتفي بانتفاء كل فرد من المجموع .

وأجيب بأنه إذا نفي أحد شطري العلة كان جزء العلة ثابتا ; فيعمل عملها .

فإن قيل : لما قال : من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ( النساء : 23 ) قال في الآية بعدها : وأحل لكم ما وراء ذلكم ( النساء : 24 ) علم من مجموع ذلك أن الربيبة لا تحرم إذا لم يدخل بأمها ; فما فائدة قوله تعالى : فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ( النساء : 23 ) .

قيل : فائدته ألا يتوهم أن قيد الدخول خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط ; كما في الحجر المفهوم إذا خرج مخرج الغالب ، فلا تقييد فيه عند الجمهور ; خلافا لإمام الحرمين والشيخ عز الدين بن عبد السلام والعراقي ; حيث قالوا : " إنه ينبغي أن يكون حجة بلا خلاف إذا لم تغلب " ; لأن الصفة إذا كانت غالبة دلت العادة عليها ، فاستغنى المتكلم بالعادة عن ذكرها ، فلما ذكرها مع استغنائه عنها دل ذلك على أنه لم يرد الإخبار بوقوعها للحقيقة ; بل ليترتب عليها نفي الحكم من المسكوت ، أما إذا لم تكن غالبة أمكن أن يقال : إنما ذكرها ليعرف السامع أن هذه الصفة تعرض لهذه الحقيقة .

ومنه قوله تعالى : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ( الإسراء : 31 ) .

وقوله تعالى : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ( البقرة : 283 ) وجوزوا أن الرهن لا يختص بالسفر ، لكن ذكر لأن فقد الكاتب يكون فيه [ ص: 121 ] غالبا ، فلما كان السفر مظنة إعواز الكاتب والشاهد الموثوق بهما ، أمر على سبيل الإرشاد بحفظ مال المسافرين بأخذ الوثيقة الأخرى ; وهي الرهن .

وقوله تعالى : فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ( النساء : 101 ) والقصر جائز مع أمن السفر ; لأن ذلك خرج مخرج الغالب لا الشرط ، وغالب أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم تخل من خوف العدو .

ومنهم من جعل الخوف هنا شرطا إن حمل القصر على ترك الركوع والسجود والنزول عن الدابة والاستقبال ونحوه ; لا في عدد الركعات ، لكن ذلك شدة خوف لا خوف ، وسبب النزول لا يساعده .

وكقوله تعالى : فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ( النور : 33 )

التالي السابق


الخدمات العلمية