الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        148 - الحديث الثاني : عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو الأنصاري البدري - رضي الله عنه قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، يخوف الله بهما عباده ، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد من الناس . فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا ، وادعوا حتى ينكشف ما بكم } .

                                        التالي السابق


                                        في الحديث رد على اعتقاد أهل الجاهلية في أن الشمس والقمر تكسفان لموت العظماء . وفي قوله عليه السلام { يخوف الله بهما عباده } إشارة إلى أنه ينبغي الخوف عند وقوع التغيرات العلوية . وقد ذكر أصحاب الحساب لكسوف الشمس والقمر أسبابا عادية . وربما يعتقد معتقد أن ذلك ينافي قوله عليه السلام " يخوف الله بهما عباده " وهذا الاعتقاد فاسد . لأن لله تعالى أفعالا على حسب الأسباب العادية ، وأفعالا خارجة عن تلك الأسباب . فإن قدرته تعالى حاكمة على كل سبب ومسبب ، فيقطع ما شاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض فإذا كان ذلك كذلك فأصحاب المراقبة لله تعالى ولأفعاله ، الذين عقدوا أبصار قلوبهم بوحدانيته ، وعموم قدرته على خرق العادة ، واقتطاع المسببات عن أسبابها إذا وقع شيء غريب . حدث عندهم الخوف لقوة اعتقادهم في فعل الله تعالى ما شاء . وذلك لا يمنع أن يكون ثمة أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله تعالى [ ص: 352 ] خرقها . ولهذا كان النبي عند اشتداد هبوب الريح " يتغير ، ويدخل ، ويخرج " خشية أن تكون كريح عاد ، وإن كان هبوب الريح موجودا في العادة . والمقصود بهذا الكلام : أن يعلم أن ما ذكره أهل الحساب من سبب الكسوف : لا ينافي كون ذلك مخوفا لعباد الله تعالى . وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام ، لأن الكسوف كان عند موت ابنه إبراهيم . فقيل : إنها إنما كسفت لموت إبراهيم . فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . وقد ذكروا : أنها إذا صليت صلاة الكسوف على الوجه المذكور ، ولم تنجل الشمس : إنها لا تعاد على تلك الصفة . وليس في قوله { فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم } ما يدل على خلاف هذا ، لوجهين :

                                        أحدهما : أنه أمر بمطلق الصلاة ، لا بالصلاة على هذا الوجه المخصوص . ومطلق الصلاة سائغ إلى حين الانجلاء .

                                        الثاني : لو سلمنا أن المراد الصلاة الموصوفة بالوصف المذكور : لكان لنا أن نجعل هذه الغاية لمجموع الأمرين - أعني الصلاة والدعاء - ولا يلزم من كونهما . غاية لمجموع الأمرين : أن تكون غاية لكل واحد منهما على انفراده . فجاز أن يكون الدعاء ممتدا إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة على الوجه المخصوص مرة واحدة ويكون غاية للمجموع .




                                        الخدمات العلمية