الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله عمن استأجر أرض بستان من مشارف الأجناس مدة ثم توفي المستأجر وخلف أولادا والأجرة مقسطة : في كل سنة عشرون درهما وقد طلب من أولاد المستأجر المتوفى تعجيل الأجرة بكمالها . فهل يلزم الأولاد جميع الإجارة ؟ أو يأخذ منهم على أقساطها في كل سنة ؟ .

                التالي السابق


                فأجاب : لا يجب على أولاده تعجيل جميع الأجرة - والحال هذه - لكن إذا لم يثق أهل الأرض بذمتهم فلهم أن يطالبوهم بمن يضمن لهم الأجرة في أقساطها .

                وهذا على قول من يقول : إن الدين المؤجل لا يحل بموت من هو عليه ظاهر .

                وأما على قول من يقول : إنه يحل عليه وكذلك هنا على [ ص: 155 ] الصحيح من قولي العلماء ; لأن الوارث الذي ورث المنفعة عليه أجرة تلك المنفعة التي استوفاها ; بحيث لو كان على الميت ديون لم يكن للوارث أن يختص بمنفعة ويزاحم أهل الديون بالأجرة ; بناء على أنها من الديون التي على الميت كما لو كان الدين ثمن مبيع نافذ ; بمنزلة أن تنتقل المنفعة إلى مشتر أو متهب مثل أن يبيع الأرض أو يهبها أو يورث فإن الأرض من حين الانتقال تلزم المشتري والمتهب والولد : في أصح قولي العلماء كما عليه عمل المسلمين ; فإنهم يطالبون المشتري والوارث بالحكر قسطا لا يطالبون الحكر جميعه من البائع .

                أو تركة الميت ; وذلك لأن المنافع لا تستقر الأجرة إلا باستيفائها فلو تلفت المنافع قبل الاستيفاء سقطت الأجرة بالاتفاق .

                ولهذا كان مذهب أبي حنيفة وغيره أن الأجرة لا تملك بالعقد ; بل بالاستيفاء ولا تملك المطالبة إلا شيئا فشيئا ولهذا قال : إن الإجارة تنفسخ بالموت .

                والشافعي وأحمد وإن قالا : تملك بالعقد وتملك المطالبة إذا سلم العين فلا نزاع أنها لا تجب إلا باستيفاء المنفعة ولا نزاع في سقوطها بتلف المنافع قبل الاستيفاء .

                ولا نزاع أنها إذا كانت مؤجلة لم تطلب إلا عند محل الأجل .

                فإذا خلف الوارث ضامنا وتعجل الأجل الذي لم يجب إلا مؤخرا مع تأخير استيفاء حقه من المنفعة كان هذا ظلما له مخالفا للعدل الذي هو [ ص: 156 ] مبنى المعاوضة وإذا لم يرض الوارث بأن تجب عليه الأجرة وقال المؤجر أنا ما أسلم إليك المنفعة لتستوفي حقه منها فأوجبنا عليه أداء الأجرة حالة من التركة مع تأخر المنفعة : تبين ما في ذلك من الحيف عليه .

                وأما إذا كان المؤجر وقفا ونحوه .

                فهنا ليس للناظر تعجيل الأجرة كلها بل لو شرط ذلك لم تجز ; لأن المنافع المستقبلة إذا لم يملكها وإنما يملك أجرتها ما يحدث في المستقبل فإذا تعجلت من غير حاجة إلى عمارة كان ذلك أخذا لما لم يستحقه الموقوف عليه الآن .

                وأجاب : لا يلزم تعجيل الأجرة في أصح قولي العلماء ; لا سيما إذا كان المستأجر حبسا فإن تعجيل الأجرة في الحبس لا يجوز إلا لعمارة ونحوها ; لأن منافع الحبس يستحقها الموقوف عليه طبقة بعد طبقة .

                وكل قوم يستحقون أجرة المنافع الحادثة في زمانهم فإن تسلفوا منفعة المستقبل كانوا قد أخذوا عوض ما لم يستحقوه من الوقف وهذا لا يجوز ; لكن إذا طلب أهل المال من ورثة المستأجر ضمينا بالأجرة فلهم ذلك .

                ويبقى المال في ذمة الورثة مع ضامن خبير لأهل الوقف من يسكنه مع أنه لو لم يكن وقفا لم يحل بموت المدين .

                وكذلك على قول من يقول بحلوله في أظهر قوليهم ; إذ يفرقون بين الإجارة وغيرها كما يفرقون في الأرض المحتكرة إذا بيعت أو [ ص: 157 ] ورثت فإن الحكر يكون على المشتري والوارث وليس لهم أخذه من البائع وتركة الميت : في أظهر قوليهم .




                الخدمات العلمية