الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار أي: في دخول أحدهما على الآخر بألطف اتصال وأربط انفصال لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار [ ص: 63 ] ثم نبه على الاعتبار بإنزال الماء من السماء وسماه رزقا بحط القياس فقال: وما أنـزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها ثم قال: وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون الاستدلال بهذه الآي يستدعي بسطا يطول، ثم قال: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق أي: علاماته ودلائله وإن من شيء إلا يسبح بحمده ثم قال: فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون أبعد ما شاهدوه من شاهد الكتاب وما تضمنه خلق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهن من عجائب الدلائل الواضحة لأولي الألباب، فإذا لم يعتبروا بشيء من ذلك فبماذا يعتبر، ثم أردف تعالى بقريعهم وتوبيخهم في تصميمهم مع وضوح الأمر فقال: ويل لكل أفاك أثيم الآيات الثلاث، ثم قال: هذا هدى وأشار إلى الكتاب وجعله نفس الهدى لتحمله كل أسباب الهدى وجميع جهاته، ثم توعد من كفر به [ ص: 64 ] ثم أردف ذلك بذكر نعمه وآلائه ليكون ذلك زائدا في توبيخهم، والتحمت الآي عاضدة هذا الغرض تقريعا وتوبيخا ووعيدا وتهديدا إلى آخر السورة. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر سبحانه بالنظر في آيات الآفاق، أتبعها آيات الأنفس فقال: وفي خلقكم أي: المخالف لخلق الأرض التي أنتم منها بالاختيار والعقل والانتشار والقدرة على السار والضار وما يبث أي: [ينشر و] يفرق بالحركة الاختيارية بثا على سبيل التجدد والاستمرار من دابة مما تعلمون ومما لا تعلمون بما في ذلك من مشاركتكم في الحركة بالاختيار والهداية للمنافع بإدراك الجزئيات ومخالفتكم في الصورة والعقل وإدراك الكليات وغير ذلك من مخالفة الأشكال والمنافع والطبائع ونحوها آيات [أي] على صفات الكمال ولا سيما العزة والحكمة، وهي على قراءة حمزة والكسائي ويعقوب بالنصب هنا، وفي الذي بعده عطف الآيتين على حيز "إن" [في] الآية الأولى من الاسم والخبر، فلهذه الآية نظر إلى التأكيد، وهو على قراءة الجماعة مبتدأ بالعطف على "إن" وما في حيزها، وهي أبلغ لأنها تشير إلى أن ما في تصوير الحيوان وجميع شأنه من عجيب الصنع [ ص: 65 ] ظاهر الدلالة على الله [فهو] بحيث لا ينكره أحد، فهو غني عن التأكيد، ويجوز أن تكون الآية على قراءة النصب من الاحتباك: حذف أولا الخلق بما دل عليه ثانيا، وثانيا ذوات الأنفس بما دل عليه من ذوات السماوات أولا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت آيات الأنفس أدق وأدل على القدرة والاختيار بما لها من التجدد والاختلاف، قال: لقوم أي: فيهم أهلية القيام بما يحاولونه يوقنون أي: يتجدد لهم العروج في درجات الإيمان إلى أن يصلوا إلى شرف الإيقان، فلا يخالطهم شك في وحدانيته; قال الحرالي في تفسير أو كالذي مر على قرية آية النفس منبهة على آية الحس، وآية الحس منبهة على آية النفس، إلا أن آية النفس أعلق، فهي لذلك أهدى، غاية آية الآفاق الإيمان، وغاية آية النفس اليقين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية