الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              238 [ ص: 510 ] 70 - باب: البزاق والمخاط ونحوه في الثوب

                                                                                                                                                                                                                              قال عروة، عن المسور ومروان: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن حديبية.. فذكر الحديث. وما تنخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده. [انظر: 1694، 1695]

                                                                                                                                                                                                                              241 - حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان، عن حميد، عن أنس قال: بزق النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبه. طوله ابن أبي مريم قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثني حميد قال: سمعت أنسا، عن النبي صلى الله عليه وسلم. [405، 412، 417، 531، 532، 1214 - مسلم: 551 - فتح: 3 \ 351]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              (قال عروة، عن المسور ومروان: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن حديبية.. فذكر الحديث. وما تنخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده) هذه قطعة من حديث طويل ساقه البخاري بطوله في صلح الحديبية والشروط في الجهاد، عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة به.

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان، عن حميد، عن أنس قال: بزق النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبه.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: طوله ابن أبي مريم، أنا يحيى بن أيوب، حدثني حميد: سمعت أنسا، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث أخرجه البخاري في الصلاة من حديث زهير، عن حميد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، -وفيه: - فأخذ [ ص: 511 ] طرف ردائه فبصق فيه، ورد بعضه على بعض.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه أبو داود في الطهارة من حديث حماد بن سلمة، عن حميد، ومن حديث حماد، عن ثابت، عن أبي نضرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه بزق في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض، وهذا مرسل.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الدارقطني عن يحيى القطان: كان حماد بن سلمة يقول: حديث حميد، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق في ثوبه، وإنما رواه حميد، عن ثابت، عن أبي نضرة، قال يحيى: ولم يقل شيئا; لأن هذا قد رواه قتادة، عن أنس.

                                                                                                                                                                                                                              قال الدارقطني: والقول عندنا قول حماد بن سلمة؛ لأن الذي رواه عن قتادة، عن أنس غير هذا، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: "البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها".

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر لك ذلك؛ فالكلام على هذا الحديث من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              عروة (ع) السالف في الحديث الأول: هو ابن الزبير، الفقيه العالم الثبت المأمون، صائم الدهر، ومات وهو صائم، مات بعد التسعين.

                                                                                                                                                                                                                              والمسور (ع): هو ابن مخرمة بن نوفل بن أهيب الزهري، صحابي صغير. مات سنة أربع وستين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 512 ] ومروان (خ، والأربعة) هو: ابن الحكم الأموي، ولد سنة اثنتين، ولم يصح له سماع وله عن عثمان وبسرة، دولته تسعة أشهر وأيام. مات سنة خمس وستين.

                                                                                                                                                                                                                              ومحمد (ع) بن يوسف في السند الثاني هو الفريابي، فإن أبا نعيم رواه عن الطبراني، عن ابن أبي مريم، ثنا الفريابي، ثنا سفيان قال: رواه - يعني: البخاري- عن الفريابي، وكذا صرح به خلف في "أطرافه".

                                                                                                                                                                                                                              وسفيان هذا: هو ابن سعيد الثوري، كما صرح به الدارقطني، فإنه لما ذكر رواة هذا الحديث قال: رواه سفيان بن سعيد، عن حميد ولم يذكر ابن عيينة فيهم، والفريابي كثير الملازمة له أيضا، ولما ذكر الجياني وغيره، ما رواه محمد بن يوسف البيكندي عن ابن عيينة لم يذكروا هذا الحديث منها، وابن عيينة مقل في حميد، حتى إن البخاري لم يخرج له إلا حديثا واحدا، وهو حديث النواة في الصداق، فيما ذكره شيخنا قطب الدين في "شرحه".

                                                                                                                                                                                                                              وقال الإسماعيلي: رواه معاوية بن هشام، وعفيف بن سالم، وأيوب بن سعيد، وهؤلاء رووا عن الثوري.

                                                                                                                                                                                                                              وحميد: هو الطويل، وإن كان حميد بن هلال في طبقته; لأن [ ص: 513 ] السفيانين لم يرويا عن حميد بن هلال شيئا.

                                                                                                                                                                                                                              وابن أبي مريم (ع): هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم المصري الحافظ، روى عنه البخاري، وله "موطأ" رواه عن مالك، وهو ثقة. مات سنة أربع وعشرين ومائتين.

                                                                                                                                                                                                                              ويحيى (ع) بن أيوب: هو الغافقي المصري مولى عمر بن الحكم بن مروان أبو العباس. مات سنة ثمان وستين ومائة، وفيه لين.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وحديثه المطول قد ذكرنا أن البخاري أخرجه في الصلاة، ذكره في باب حك البزاق من المسجد.

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              النخامة: ما يخرج من الفم، بخلاف النخاعة: فإنها ما تخرج من الحلق، كذا قاله النووي، لكن في "الصحاح" و"المجمل":

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 514 ] النخامة - بالضم- النخاعة، وفي "المغيث"، و"المغرب" للمطرزي: هي ما يخرج من الخيشوم. وفي "المحكم" لابن سيده: يقال: نخم الرجل نخما ونخما، وتنخم: دفع بشيء من صدره أو أنفه.

                                                                                                                                                                                                                              والبزاق: بالزاي والسين والصاد، والسين أضعفها، ولم يذكرها في "المخصص".

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثالث: في فقه الباب:

                                                                                                                                                                                                                              وهو دال على ما ترجم له من طهارة البزاق والمخاط وهو [أمر مجمع عليه لا أعلم فيه اختلافا]، إلا ما روي عن سلمان [الفارسي] أنه جعله غير طاهر، وأن الحسن بن حي كرهه في الثوب، وذكر الطحاوي، عن الأوزاعي أنه كره أن يدخل سواكه في وضوئه.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وذكر ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن النخعي، أنه ليس بطهور.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حزم: لما عدد أقوالا غريبة صحت عن بعض السلف يدعي قوم في خلافها الإجماع، صح عن سلمان الفارسي وإبراهيم النخعي أن اللعاب نجس إذا فارق الفم، ثم قال: رويناه من طريق الثوري في حديثه المجموع.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 515 ] قلت: وما ثبت عن الشارع من خلافهم هو المتبع، والحجة البالغة، فلا معنى لقول من خالف، وقد أمر الشارع المصلي أن يبزق عن يساره أو تحت قدمه، وبزق الشارع في طرف ردائه، ثم رد بعضه على بعض، وقال: "أو تفعل هكذا"، وهذا ظاهر في طهارته; لأنه لا يجوز أن يقوم المصلي على نجاسة، ولا أن يصلي وفي ثوبه نجاسة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أيضا التبرك ببزاق الشارع ونخامته، ودلك وجوههم بها تبركا وتوقيرا له وتعظيما.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية