الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 332 ] فصل : ومن الغارمين صنف يعطون مع الغنى ، وهو غرم لإصلاح ذات البين ، وهو أن يقع بين الحيين وأهل القريتين عداوة وضغائن ، يتلف فيها نفس أو مال ، ويتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك ، فيسعى إنسان في الإصلاح بينهم ، ويتحمل الدماء التي بينهم والأموال ، فيسمى ذلك حمالة ، بفتح الحاء ، وكانت العرب تعرف ذلك ، وكان الرجل منهم يتحمل الحمالة ، ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها ، فورد الشرع بإباحة المسألة فيها ، وجعل لهم نصيبا من الصدقة ، فروى قبيصة بن المخارق ، قال : تحملت حمالة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وسألته فيها . فقال : { أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة ، فنأمر لك بها } . ثم قال : { يا قبيصة ، إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة ; رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ، ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله ، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ، أو قواما من عيش ، ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه ، لقد أصابت فلانا فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ، أو قواما من عيش ، وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتا يوم القيامة } أخرجه مسلم

                                                                                                                                            . وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تحل الصدقة لغني ، إلا لخمسة } . ذكر منهم الغارم . ولأنه إنما يقبل ضمانه وتحمله إذا كان مليا ، وبه حاجة إلى ذلك مع الغنى ، وإن أدى ذلك من ماله ، لم يكن له أن يأخذ ; لأنه قد سقط الغرم ، وإن استدان وأداها ، جاز له الأخذ ; لأن الغرم باق ، والمطالبة قائمة ، والفرق بين هذا الغرم والغرم لمصلحة نفسه ، أن هذا الغرم يؤخذ لحاجتنا إليه لإطفاء الثائرة ، وإخماد الفتنة ، فجاز له الأخذ مع الغنى ، كالغازي والمؤلف والعامل . والغارم لمصلحة نفسه يأخذ لحاجة نفسه ، فاعتبرت حاجته وعجزه ، كالفقير والمسكين والمكاتب وابن السبيل .

                                                                                                                                            وإذا كان الرجل غنيا ، وعليه دين لمصلحة لا يطيق قضاءه ، جاز أن يدفع إليه ما يتم به قضاءه ، مع ما زاد عن حد الغنى . فإذا قلنا : الغنى يحصل بخمسين درهما . وله مائة ، وعليه مائة ، جاز أن يدفع إليه خمسون ، ليتم قضاء المائة من غير أن ينقص غناه . قال أحمد : لا يعطى من عنده خمسون درهما أو حسابها من الذهب ، إلا مدينا ، فيعطى دينه ، وإن كان يمكنه قضاء الدين من غير نقص من الغنى لم يعط شيئا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية