الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5119 ) مسألة ; قال : ( وسهم في سبيل الله ، وهم الغزاة يعطون ما يشترون به الدواب والسلاح ، وما ينفقون به على العدو ، وإن كانوا أغنياء ) . هذا الصنف السابع من أهل الزكاة . ولا خلاف في استحقاقهم ، وبقاء حكمهم . ولا خلاف في أنهم الغزاة في سبيل الله ; لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو ، قال الله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله } . وقال : { يجاهدون في سبيل الله } . وقال : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا } . وذكر ذلك في غير موضع من كتابه ، فإذا تقرر هذا ، فإنهم يعطون وإن كانوا أغنياء .

                                                                                                                                            وبهذا قال مالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وابن المنذر . وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا تدفع إلا إلى فقير . وكذلك قالوا في الغارم لإصلاح ذات البين ; لأن من تجب عليه الزكاة لا تحل له ، كسائر أصحاب السهمان ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : { أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ، فترد في فقرائهم } . فظاهر هذا أنها كلها ترد في الفقراء ، والفقير عندهم من لا يملك نصابا . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ; لغاز في سبيل الله ، أو لغارم } . وذكر بقيتهم .

                                                                                                                                            ولأن الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين ، وعد بعدهما ستة أصناف ، فلا يلزم وجود صفة الصنفين في بقية الأصناف ، كما لا يلزم وجود صفة الأصناف فيهما ، ولأن هذا يأخذ لحاجتنا إليه ، فأشبه العامل والمؤلف ، فأما أهل سائر السهمان ، فإنما يعتبر فقر من يأخذ لحاجته إليها ، دون من يأخذ لحاجتنا إليه . فإذا تقرر هذا ، فمن قال ، إنه يريد الغزو . قبل قوله ; لأنه لا يمكن إقامة البينة على نيته ، ويدفع إليه قدر كفايته لمؤنته وشراء السلاح والفرس إن كان فارسا ، وحمولته ودرعه ولباسه وسائر ما يحتاج إليه لغزوه ، وإن كثر ذلك ، ويدفع إليه دفعا مراعى ، فإن لم يغز رده ; لأنه أخذه كذلك ، وإن غزا وعاد ، فقد ملك ما أخذه ; لأننا دفعنا إليه قدر الكفاية

                                                                                                                                            وإنما ضيق على نفسه . وإن مضى إلى الغزو ، فرجع من الطريق ، أو لم يتم الغزو الذي دفع إليه من أجله ، رد ما فضل معه ; لأن الذي أخذ لأجله لم يفعله كله .

                                                                                                                                            ( 5120 ) فصل : وإنما يستحق هذا السهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان ، وإنما يتطوعون بالغزو إذا نشطوا . قال أحمد : ويعطى ثمن الفرس ، ولا يتولى مخرج الزكاة شراء الفرس بنفسه ; لأن الواجب إيتاء الزكاة ، فإذا اشتراها بنفسه ، فما أعطى إلا فرسا . وكذلك الحكم في شراء السلاح والمؤنة . وقال في موضع آخر : إن دفع ثمن الفرس وثمن السيف ، فهو أعجب إلي ، وإن اشتراه هو ، رجوت أن يجزئه . وقال أيضا : يشتري الرجل من [ ص: 334 ] زكاته الفرس ، ويحمل عليه ، والقناة ، ويجهز الرجل ; وذلك لأنه قد صرف الزكاة في سبيل الله ، فجاز ، كما لو دفعها إلى الغازي فاشترى بها . قال : ولا يشتري من الزكاة فرسا يصير حبيسا في سبيل الله ، ولا دارا ، ولا ضيعة يصيرها في سبيل الله للرباط ، ولا يقفها على المجاهدين .

                                                                                                                                            لأنه لم يؤت الزكاة لأحد ، وهو مأمور بإتيانها . قال : ولا يغزو الرجل على الفرس الذي أخرجه من زكاة ماله ; لأنه لا يجوز أن يجعل نفسه مصرفا لزكاته ، كما لا يجوز أن يقضي بها دينه ، ومتى أخذ الفرس التي اشتريت بماله ، صار مصرفا لزكاته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية