الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 538 ) فصل : وأما صلاة العشاء فيستحب تأخيرها إلى آخر وقتها إن لم يشق ، وهو اختيار أكثر أهل العلم ، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين . قاله الترمذي وحكي عن الشافعي أن الأفضل تقديمها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم { الوقت الأول رضوان الله ، والوقت الآخر عفو الله } وروى القاسم بن غنام ، عن بعض أمهاته ، عن أم فروة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة لأول وقتها } . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤخرها ، وإنما أخرها ليلة واحدة ، ولا يفعل إلا الأفضل .

                                                                                                                                            ولنا قول أبي برزة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي يدعونها العتمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه } وهو حديث حسن صحيح ، وأحاديثهم ضعيفة . أما خبر " الوقت الأول رضوان الله " فيرويه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف وحديث أم فروة رواته مجاهيل ، قال أحمد رحمه الله : لا أعلم شيئا ثبت في أوقات الصلاة : أولها كذا ، وأوسطها كذا ، وآخرها كذا يعني مغفرة ورضوانا ، وقال : ليس ذا ثابتا .

                                                                                                                                            ولو ثبت فالأخذ بأحاديثنا الخاصة أولى من الأخذ بالعموم ، مع صحة أخبارنا ، وضعف أخبارهم .

                                                                                                                                            ( 539 ) فصل : وإنما يستحب تأخيرها للمنفرد والجماعة راضين بالتأخير ; فأما مع المشقة على المأمومين أو بعضهم فلا يستحب ، بل يكره . نص عليه أحمد رحمه الله ، قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : كم قدر تأخير العشاء ؟ فقال ما قد بعد أن لا يشق على المأمومين . وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخير العشاء ، والأمر بتأخيرها ، كراهية المشقة على أمته ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم { من شق على أمتي شق الله عليه } وإنما نقل التأخير عنه مرة أو [ ص: 237 ] مرتين ، ولعله كان لشغل ، أو إتيان آخر الوقت ، وأما في سائر أوقاته فإنه كان يصليها ، على ما رواه جابر أحيانا ، وأحيانا إذا رآهم قد اجتمعوا عجل ، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر .

                                                                                                                                            وعلى ما رواه النعمان بن بشير ، أنه كان يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثة . فيستحب للإمام الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في إحدى هاتين الحالتين ، ولا يؤخرها تأخيرا يشق على المأمومين ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالتخفيف ، رفقا بالمأمومين ، وقال : { إني لأدخل في الصلاة ، وأنا أريد إطالتها ، فأسمع بكاء الصبي ، فأخففها كراهية أن أشق على أمه . } متفق عليه

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية