الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( فائدة ) اعلم أن الأسباب منقسمة إلى ما يناسب أحكامه وهو الأكثر ، وإلى ما لا يناسبها ، وهو التعبد .

وفي الأشباه اختلاف . مثال ما لا يناسب أحكامه : وجوب غسل الأطراف في الوضوء بالمس واللمس وخروج الخارج من السبيلين ، فإن كل واحد من هذه الأسباب لا تعقل مناسبته لغسل الأطراف ، إذ كيف يعفى عن محل النجاسة ويجب غسل ما لم تصبه النجاسة ؟ مثال ما يناسب أحكامه : وجوب غسل النجاسة ، وجوب عقاب الجناة زجرا لهم عن الجنايات ، ووجوب اشتراط العدالة في الولاة لتحملهم عدالتهم على إقامة مصالح الولايات ، وكذلك إيجاب الغنائم للغانمين ، فإن القتال يناسب إيجابها لهم ; لأنهم حصلوها بقتالهم وتسببوا إليها برماحهم وسهامهم ، وكذلك جعل الأسلاب للقاتلين المخاطرين لقوة تسببهم إلى [ ص: 100 ] تحصيلها ترغيبا لهم في المخاطرة بقتل المشتركين .

وكذلك إيجاب الفيء لسيد المرسلين وخاتم النبيين لما نصره الله به من الرعب في قلوب الكافرين ، وقد جعله الشافعي رحمه الله على أحد قوليه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأجناد المسلمين ; لأنهم قاموا مقامه في إرعاب الكافرين .

وكذلك إيجاب الأسلاب للمثخنين دون الذابحين بعد الإثخان كما وقع في قصة ابني عفراء وابن مسعود رضي الله عنهم فإنهما أثخنا أبا جهل وذبحه ابن مسعود بعد ذلك ; لأن السلب إنما استحقه القاتل ; لأنه كفى مئونته ودفع شره عن المسلمين ، وذلك مختص بالمثخنين دون الذابحين بعد الإثخان ، وكذلك تخصيص قبول الروايات والشهادات بالمعدلين لاختصاصهم بظهور صدقهم والثقة بأقوالهم بين كافة المسلمين .

وكذلك تخصيص المعاملات والمناكحات دفعا للضرورات والحاجات ، فمن الأسباب ما يبنى عليه حكم واحد ، ومنها ما يبنى عليه حكمان ، إلى أن ينتهي السبب الواحد إلى قريب من ستين حكما أو أكثر .

فلما له من الأسباب حكم واحد أمثلة أحدها : ملك الصيد بالحيازة .

المثال الثاني : وجوب الحكم بالشهادة .

المثال الثالث : وجوب الحكم بالإقرار .

المثال الرابع : وجوب الحكم إذا حلف المدعي بعد نكول المدعى عليه .

المثال الخامس : تنجيس الماء بمصادفة النجاسة مع القلة أو عند تغير أحد أوصافه ، وللنجاسة أحكام كثيرة ، وكذلك حصول الطهارة عند الغسل المشروع وللطهارة أحكام كثيرة .

المثال السادس : وجوب الطاعة عند أمر الإمام أو الحاكم أو السيد أو الوالد .

المثال السابع : تخير القاتل بعد تمام الإيجاب في قريب الزمان دون بعيده . [ ص: 101 ]

المثال الثامن : إتلاف الأموال خطأ موجب للضمان .

المثال التاسع : قتل المحرم الصيد موجب للتخير بين الجزاء والصوم والإطعام وذلك حكم واحد .

المثال العاشر : أهلية الإمامة والقضاء موجبة لتولية الإمام والقضاة .

المثال الحادي عشر : الطيب والأدهان موجبان للتخير بين الخصال الثلاث .

المثال الثاني عشر : حلق الرأس موجب للتخير بين الصيام والصدقة والنسك .

المثال الثالث عشر : ملك خمس من الإبل موجب للخيار بين الشاة وبين بنت مخاض أو لبون والحقة والجذعة والثنية .

ولما له من الأسباب حكمان أمثلة . أحدها قتل الخطأ وهو معفو عنه وله حكمان : أحدهما وجوب الكفارة .

والثاني : وجوب الضمان .

المثال الثاني : الحنث في اليمين إذا كان مباحا أو واجبا أو مندوبا فله حكمان أحدهما : التخير بين الخصال الثلاث ، والثاني ترتيب الصيام ، وإن كان الحنث محرما فإن كان كبيرة أوجب التحريم والتفسيق والتفكير المذكور ، وإن كان الحنث صغيرة أوجب التحريم والتخيير والترتيب .

المثال الثالث : التمتع موجب لحكمين أحدهما الهدي ، والثاني الصيام عند العجز .

وأما السب والضرب فإنهما موجبان للتحريم والتعزير ما لم ينتهيا إلى حد الكبائر ، فإن انتهيا إلى حد الكبائر حصل التحريم والتفسيق والتعزير .

ولما له من الأسباب ثلاثة أحكام أمثلة - أحدها إتلاف الأموال عمدا وأحكامه التحريم والتعزير وإيجاب الضمان .

المثال الثاني : القذف وأحكامه التحريم والتفسيق والجلد .

المثال الثالث : زنا الثيب وأحكامه التحريم والتفسيق والرجم .

المثال الرابع : شرب الخمر وأحكامه التحريم والتفسيق والحد .

[ ص: 102 ] المثال الخامس : شرب النبيذ وهو موجب للتحريم والتفسيق والحد على من يعتقد تحريمه ، وأما من لا يعتقد تحريمه فهو موجب لحده من غير تحريم ولا تفسيق .

المثال السادس : الظهار وهو موجب للتحريم والتفسيق والكفارة المرتبة .

وأما قتل العمد فهو موجب للتحريم والتفسيق والتخيير بين الدية والقصاص ، وزاد الشافعي رحمه الله الكفارة فله على مذهبه أربعة أحكام .

وأما ماله من الأسباب أربعة أحكام فكزنا البكر وهو موجب للتحريم والتفسيق والجلد والتغريب .

وأما الحدث الأصغر فسبب لتحريم الصلاة والطواف وسجدة الشكر والسهو والتلاوة ومس المصحف ، ويزيد عليه حدث الجنابة وهو الحدث الأوسط بتحريم الصوم والوطء والطلاق .

وأما الوطء فله أحكام كثيرة منها الأحكام السبعة في الجنابة ، ومنها العشرة في الحيض ، ومنها أحكامه في الصوم وهي التحريم والتفسيق والإفساد ، وإيجاب الكفارة المرتبة ، ومنها أحكامه في الاعتكاف الواجب ، وهي التحريم والإفساد والتعزير ، وأما التفسيق فإن وقع الجماع في المسجد كان فسقا .

وإن كان خارج المسجد فإن وقع في وقت ملابسة الحاجة فليس بمفسق ; لأجل الاختلاف في إباحة ذلك ، وإن وقع وراء ذلك ففيه وقفة .

ومنها : أحكامه في الحج والعمرة وهي التحريم والتفسيق والكفارة ، وإفساد الصحة دون الانعقاد ، وأما المضي في الفاسد ففيه نظر من جهة أنه واجب بالإحرام لا بالجماع ، ومنها تحليل المرأة لمطلقها ، ومنها تقرير المهر المسمى في النكاح الصحيح ، وإيجابه لمهر المثل في النكاح الفاسد وفي الوطء [ ص: 103 ] بالشبهة ، ووطء النكاح ، وكذلك إيجابه الاستبراء في المملوكة إذا ملكت ، وبعد زوال ملكها ، وكذلك إيجابه للتحريم والتفسيق والجلد والتغريب .

وكذلك إيجابه لإلحاق الأولاد في ظاهر الحكم في الحرائر والإماء المشتركات ، وكذلك إلحاقه النسب إذا وقع بالشبهة في العزبات الخليات ، ومنها التحصين في حق الزوجين فيما يرجع إلى حق الزنا ، ومنها حصول الفيئة به في الإيلاء وحصول العود به في الظهار عند بعض العلماء ، ومنها قطعه للعدة إذا وقع في أثنائها بشبهة وحصل منه الحمل ، ومنها تحريمه أم الزوجة وجداتها وبنت الزوجة وبناتها وتفسيقه ، وإيجابه الحد في كل واحدة منهن ، ومنها تحريمه الجمع بين الأختين وتفسيقه ، وإيجابه الحد على من علمه .

ومنها تحريمه وتفسيقه إذا وقع بشبهة الشركة ، وإيجابه لبعض المهر ، ومنها تحريمه وطء الزوج في عدة النكاح إذا وقعت في أثناء النكاح ، وإيجابه التعزير ، وكل موضع حرمناه على الزوج ، فالتمكين منه حرام على النساء إذا علمن موجب للتعزير إن وقع بشبهة كالوطء في الجارية المملوكة ، والحد إن خلا عن الشبهة : إما بالرجم أو بالجلد والتغريب ، وإن وقعت الشبهة من أحد الجانبين دون الآخر ، فإن تعلقت بالنساء فلهن مهور أمثالهن ، ولا حد عليهن ولا تحريم ، وإن تعلقت بالرجل تعلق بالنساء ما يتعلق بالزناة ، ولا مهر للنساء وعليهن العدد .

التالي السابق


الخدمات العلمية