القسم الموفي العشرين
nindex.php?page=treesubj&link=28914الاستثناء والاستدراك ووجه التأكيد فيه أنه ثنى ذكره مرتين : مرة في الجملة ، ومرة في التفصيل .
فإذا قلت : قام القوم إلا زيدا ، فكأنه كان في جملتهم ثم خرج منهم ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=30فسجد الملائكة كلهم أجمعون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=31إلا إبليس ( الحجر : 30 - 31 ) فإن فيه معنى زائدا على الاستثناء ، هو تعظيم أمر الكبيرة التي أتى بها إبليس ، من كونه خرق إجماع الملائكة ، وفارق جميع الملأ الأعلى بخروجه مما دخلوا فيه من السجود
لآدم ; وهو بمثابة قولك : أمر الملك بكذا فأطاع أمره جميع الناس ، من أمير ووزير إلا فلانا ، فإن الإخبار عن معصية الملك بهذه الصيغة أبلغ من قولك : أمر الملك فعصاه فلان .
وفي ضمن ذلك وصف الله سبحانه بالعدل فيما ضربه على إبليس من خزي الدنيا ، وختم عليه من عذاب الآخرة .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ( العنكبوت : 14 ) فإن في الإخبار عن المدة بهذه الصيغة تهويلا على السامع ; ليشهد عذر
نوح عليه السلام في الدعاء على قومه ، وحكمة الإخبار عن المدة بهذه الصيغة تعظيم للمدة ; ليكون أول ما يباشر السمع ذكر " الألف " واختصار اللفظ ; فإن لفظ القرآن أخصر من تسعمائة وخمسين عاما ، ولأن لفظ القرآن يفيد حصر العدد المذكور ، ولا يحتمل الزيادة عليه ولا النقص .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ( هود : 106 - 107 ) فإنه سبحانه لما علم أن
[ ص: 129 ] وصف الشقاء يعم المؤمن العاصي والكافر ، استثنى من حكم بخلوده في النار بلفظ مطمع ; حيث أثبت الاستثناء المطلق ، وأكده بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إن ربك فعال لما يريد أي : أنه لا اعتراض عليه في إخراج أهل الشقاء من النار .
ولما علم أن أهل السعادة لا خروج لهم من الجنة أكد خلودهم بعد الاستثناء بما يرفع أصل الاستثناء ، حيث قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عطاء غير مجذوذ ( هود : 108 ) أي : غير منقطع ; ليعلم أن عطاءه لهم الجنة غير منقطع .
وهذه المعاني زائدة على الاستثناء اللغوي .
وقيل : وجه الاستثناء فيه الخروج من الجنة إلى منزلة أعلى كالرضوان والرؤية ويؤيده قول بعض الصحابة :
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
وصوبه النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري الاستثناء الأول لخروج أهل النار إلى الزمهرير ، أو إلى نوع آخر من العذاب ; بناء على مذهبه من تخليد أهل الكبائر في النار ، وجعل الاستثناء الثاني دالا على نجاة أهل الكبائر من العذاب ، فكأنه تصور أن الاستثناء الثاني لما لم يحمل على انقطاع النعيم ; لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عطاء غير مجذوذ ( هود : 108 ) فكذا الاستثناء الأول لا يحمل على انقطاع عذاب الجحيم ; لتناسب أطراف الكلام .
وقال : معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إن ربك فعال لما يريد ( هود : 107 ) عقب الاستثناء الأول في مقابلة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عطاء غير مجذوذ ( هود : 108 ) عقب الثاني ، أن الله تعالى يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب ، كما يعطي لأهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له .
قيل : وما أصدق في سياق
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في هذا الموضع قول القائل :
حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
[ ص: 130 ] وذلك لأن ظاهر الاستثناء هو الإخراج عن حكم ما قبله ، ولا موجب للعدول عن الظاهر في الاستثناء الأول ، فحمل على النجاة .
ولما كان إنجاء المستحق العذاب محل تعجب وإنكار عقبه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إن ربك فعال لما يريد ( هود : 107 ) أي : من العذاب والإنجاء منه بفضله ، ولا يتوجه عليه اعتراض أحد ; يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
وأما الاستثناء الثاني فلما لم يكن على ظاهره كان إخراج أهل الجنة المستحقين للثواب وقطع النعيم لا يناسب إنجاء أهل النار المستحقين للعذاب ، فلذا عقب بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عطاء غير مجذوذ ( هود : 108 ) بيانا للمقصود .
ورعاية هذا الباب أولى من رعاية الباب الذي توهم
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ; فإن حاصله يرجع إلى أن الاستثناء الثاني لما لم يكن على ما هو الظاهر في باب الاستثناء ينبغي ، ألا يكون الاستثناء الأول أيضا على ما هو الظاهر ، ولا يخفى على المنصف أنه تعسف .
وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=6ليس لهم طعام إلا من ضريع ( الغاشية : 6 ) فالمعنى : لا طعام لهم أصلا ; لأن الضريع ليس بطعام البهائم فضلا عن الإنس ; وذلك كقولك : ليس لفلان ظل إلا الشمس ; تريد بذلك نفي الظل عنه على التوكيد ، والضريع نبت ذو شوك يسمى الشبرق في حال خضرته وطراوته ، فإذا يبس سمي الضريع ، والإبل ترعاه طريا لا يابسا .
وقريب منه تأكيد المدح بما يشبه الذم ، بأن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ( الواقعة : 25 - 26 ) التأكيد فيه من وجهين على الاتصال في الاستثناء والانقطاع .
الْقِسْمُ الْمُوَفِّي الْعِشْرِينَ
nindex.php?page=treesubj&link=28914الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِدْرَاكُ وَوَجْهُ التَّأْكِيدِ فِيهِ أَنَّهُ ثَنَّى ذِكْرَهُ مَرَّتَيْنِ : مَرَّةً فِي الْجُمْلَةِ ، وَمَرَّةً فِي التَّفْصِيلِ .
فَإِذَا قُلْتَ : قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا ، فَكَأَنَّهُ كَانَ فِي جُمْلَتِهِمْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُمْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=30فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=31إِلَّا إِبْلِيسَ ( الْحِجْرِ : 30 - 31 ) فَإِنَّ فِيهِ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ ، هُوَ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي أَتَى بِهَا إِبْلِيسُ ، مِنْ كَوْنِهِ خَرَقَ إِجْمَاعَ الْمَلَائِكَةِ ، وَفَارَقَ جَمِيعَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى بِخُرُوجِهِ مِمَّا دَخَلُوا فِيهِ مِنَ السُّجُودِ
لِآدَمَ ; وَهُوَ بِمَثَابَةِ قَوْلِكَ : أَمَرَ الْمَلِكُ بِكَذَا فَأَطَاعَ أَمْرَهُ جَمِيعُ النَّاسِ ، مِنْ أَمِيرٍ وَوَزِيرٍ إِلَّا فُلَانًا ، فَإِنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ مَعْصِيَةِ الْمَلِكِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِكَ : أَمَرَ الْمَلِكُ فَعَصَاهُ فُلَانٌ .
وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ وُصِفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْعَدْلِ فِيمَا ضَرَبَهُ عَلَى إِبْلِيسَ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ( الْعَنْكَبُوتِ : 14 ) فَإِنَّ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُدَّةِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ تَهْوِيلًا عَلَى السَّامِعِ ; لِيَشْهَدَ عُذْرَ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى قَوْمِهِ ، وَحِكْمَةُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُدَّةِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ تَعْظِيمٌ لِلْمُدَّةِ ; لِيَكُونَ أَوَّلُ مَا يُبَاشِرُ السَّمْعَ ذِكْرُ " الْأَلْفِ " وَاخْتِصَارُ اللَّفْظِ ; فَإِنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ أَخْصَرُ مِنْ تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا ، وَلِأَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ يُفِيدُ حَصْرَ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ ، وَلَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا النَّقْصَ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ( هُودٍ : 106 - 107 ) فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ
[ ص: 129 ] وَصْفَ الشَّقَاءِ يَعُمُّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ وَالْكَافِرَ ، اسْتَثْنَى مَنْ حَكَمَ بِخُلُودِهِ فِي النَّارِ بِلَفْظٍ مُطْمِعٍ ; حَيْثُ أَثْبَتَ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُطْلَقَ ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ أَيْ : أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي إِخْرَاجِ أَهْلِ الشَّقَاءِ مِنَ النَّارِ .
وَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ السَّعَادَةِ لَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَكَّدَ خُلُودَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا يَرْفَعُ أَصْلَ الِاسْتِثْنَاءَ ، حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( هُودٍ : 108 ) أَيْ : غَيْرَ مُنْقَطِعٍ ; لِيُعْلَمَ أَنَّ عَطَاءَهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ .
وَهَذِهِ الْمَعَانِي زَائِدَةٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ اللُّغَوِيِّ .
وَقِيلَ : وَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى مَنْزِلَةٍ أَعْلَى كَالرِّضْوَانِ وَالرُّؤْيَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ :
وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرًا
وَصَوَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ لِخُرُوجِ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الزَّمْهَرِيرِ ، أَوْ إِلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْعَذَابِ ; بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ تَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ ، وَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ دَالًّا عَلَى نَجَاةِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْعَذَابِ ، فَكَأَنَّهُ تَصَوَّرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ لَمَّا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى انْقِطَاعِ النَّعِيمِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( هُودٍ : 108 ) فَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ لَا يُحْمَلُ عَلَى انْقِطَاعِ عَذَابِ الْجَحِيمِ ; لِتَنَاسُبِ أَطْرَافِ الْكَلَامِ .
وَقَالَ : مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ( هُودٍ : 107 ) عَقِبَ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( هُودٍ : 108 ) عَقِبَ الثَّانِي ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ بِأَهْلِ النَّارِ مَا يُرِيدُ مِنَ الْعَذَابِ ، كَمَا يُعْطِي لِأَهْلِ الْجَنَّةِ عَطَاءَهُ الَّذِي لَا انْقِطَاعَ لَهُ .
قِيلَ : وَمَا أَصْدَقَ فِي سِيَاقِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَوْلُ الْقَائِلِ :
حَفِظْتَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْكَ أَشْيَاءُ
[ ص: 130 ] وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْإِخْرَاجُ عَنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهُ ، وَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ عَنِ الظَّاهِرِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ ، فَحُمِلَ عَلَى النَّجَاةِ .
وَلَمَّا كَانَ إِنْجَاءُ الْمُسْتَحِقِّ الْعَذَابَ مَحَلَّ تَعَجُّبٍ وَإِنْكَارٍ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ( هُودٍ : 107 ) أَيْ : مِنَ الْعَذَابِ وَالْإِنْجَاءِ مِنْهُ بِفَضْلِهِ ، وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ اعْتِرَاضُ أَحَدٍ ; يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ .
وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ إِخْرَاجُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلثَّوَابِ وَقَطْعِ النَّعِيمِ لَا يُنَاسِبُ إِنْجَاءَ أَهْلِ النَّارِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْعَذَابِ ، فَلِذَا عَقَّبَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( هُودٍ : 108 ) بَيَانًا لِلْمَقْصُودِ .
وَرِعَايَةُ هَذَا الْبَابِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ الْبَابِ الَّذِي تَوَهَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ; فَإِنَّ حَاصِلَهُ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ يَنْبَغِي ، أَلَّا يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ أَيْضًا عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُنْصِفِ أَنَّهُ تَعَسُّفٌ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=6لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ( الْغَاشِيَةِ : 6 ) فَالْمَعْنَى : لَا طَعَامَ لَهُمْ أَصْلًا ; لِأَنَّ الضَّرِيعَ لَيْسَ بِطَعَامِ الْبَهَائِمِ فَضْلًا عَنِ الْإِنْسِ ; وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ : لَيْسَ لِفُلَانٍ ظِلٌّ إِلَّا الشَّمْسَ ; تُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْيَ الظِّلِّ عَنْهُ عَلَى التَّوْكِيدِ ، وَالضَّرِيعُ نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ يُسَمَّى الشَّبْرَقَ فِي حَالِ خُضْرَتِهِ وَطَرَاوَتِهِ ، فَإِذَا يَبِسَ سُمِّيَ الضَّرِيعَ ، وَالْإِبِلُ تَرْعَاهُ طَرِيًّا لَا يَابِسًا .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ تَأْكِيدُ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ ، بِأَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ صِفَةِ ذَمٍّ مَنْفِيَّةٍ عَنِ الشَّيْءِ صِفَةُ مَدْحٍ بِتَقْدِيرِ دُخُولِهَا فِيهَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=25لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ( الْوَاقِعَةِ : 25 - 26 ) التَّأْكِيدُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى الِاتِّصَالِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالِانْقِطَاعِ .