[ ص: 131 ] القسم الحادي والعشرون
nindex.php?page=treesubj&link=28914المبالغة وهي أن يكون للشيء صفة ثابتة ; فتزيد في التعريف بمقدار شدته أو ضعفه ; فيدعى له من الزيادة في تلك الصفة ما يستبعد عند السماع ; أو يحيل عقله ثبوته .
ومن أحسنها قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ( النور : 40 ) وهي ظلمة البحر ، وظلمة الموج فوقه ، وظلمة السحاب فوق الموج .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وبلغت القلوب الحناجر ( الأحزاب : 10 ) أي : كادت تبلغ ; لأن القلب إذا زال عن موضعه مات صاحبه .
وقيل : هو حقيقة ، وإن الخوف والروع يوجب للخائف أن تنتفخ رئته ، ولا يبعد أن ينهض بالقلب نحو الحنجرة ، ذكره
الفراء وغيره .
أو أنها لما اتصل وجيبها واضطرابها بلغت الحناجر .
ورد
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري تقدير " كادت " فإن " كاد " لا تضمر .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=46وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( إبراهيم : 46 ) .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أن دعوا للرحمن ولدا ( مريم : 90 - 91 ) .
ومنه المبالغة في الوصف بطريق التشبيه ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=32إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر ( المرسلات : 32 - 33 ) .
وقد يخرج الكلام مخرج الإخبار عن الأعظم الأكبر للمبالغة ، وهو مجاز ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا صفا ( الفجر : 22 ) فجعل مجيء جلائل آياته مجيئا له سبحانه على المبالغة .
[ ص: 132 ] وكقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39ووجد الله عنده فوفاه حسابه ( النور : 39 ) فجعل نقله بالهلكة من دار العمل إلى دار الجزاء وجدانا للمجازي .
ومنه ما جرى مجرى الحقيقة ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ( النور : 43 ) فإن اقتران هذه بـ " يكاد " صرفها إلى الحقيقة ; فانقلب من الامتناع إلى الإمكان .
وقد تجيء المبالغة مدمجة ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=10سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ( الرعد : 10 ) فإن المبالغة في هذه الآية مدمجة في المقابلة ، وهي بالنسبة إلى المخاطب لا إلى المخاطب ; معناه أن علم ذلك متعذر عندكم ; وإلا فهو بالنسبة إليه سبحانه ليس بمبالغة .
وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=109قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ( الكهف : 109 ) الآية فقيل : سببها
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018687أن اليهود جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له : كيف عنفنا بهذا القول : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( الإسراء : 85 ) ونحن قد أوتينا التوراة ، وفيها كلام الله وأحكامه ، ونور وهدى ؟ ! فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : التوراة قليل من كثير ونزلت هذه الآية .
وقيل : إنما نزلت
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( لقمان : 27 ) .
قال المفسرون : والغرض من ذلك الإعلام بكثرة كلماته ; وهي في نفسها غير
[ ص: 133 ] متناهية ، وإنما قرب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى ; لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة .
وقال بعض المحققين : إن ما تضمنت الآية أن كلمات الله تعالى لم تكن لتنفد ، ولم تقتض الآية أنها تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور ; وكما قال
الخضر عليه السلام : " ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من ماء البحر حين غمس منقاره فيها " .
وعد بعضهم من هذا القبيل ما جاء من المبالغة في القرآن من الإغضاء عن العيوب ، والصفح عن الذنوب ، والتغافل عن الزلات ، والستر على أهل المروءات ، كقوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ( الأعراف : 199 ) .
وقيل في تفسيره : أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن ( فصلت : 34 ) الآية .
تنبيه تحصل مما سبق أن قصد المبالغة يستلزم في الحال الإيجاز : إما بالحذف ، وإما بجعل الشيء نفس الشيء ، أو يتكرر لفظ يتم بتكرره التهويل والتعظيم ، ويقوم مقام أوصاف ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=1الحاقة ما الحاقة ( الحاقة : 1 - 2 ) .
وقد نص
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه على هذا كله في مواضع شتى من كتابه لافتراقها في أحكام .
فائدة : اختلف في المبالغة على أقوال : أحدها : إنكار أن تكون من محاسن الكلام لاشتمالها على الاستحالة .
[ ص: 134 ] والثاني : أنها الغاية في الحسن ، وأعذب الكلام ما بولغ فيه ، وقد قال
النابغة :
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
والثالث : وهو الأصح ; أنها من محاسن الكلام ; ولا ينحصر الحسن فيها ; فإن فضيلة الصدق لا تنكر ، ولو كانت معيبة لم ترد في كلام الله تعالى ، ولها طريقان : أحدهما : أن يستعمل اللفظ في غير معناه لغة ، كما في الكناية والتشبيه والاستعارة وغيرها ، من أنواع المجاز .
والثاني : أن يشفع ما يفهم المعنى بالمعنى على وجه يقتضي زيادة ; فتترادف الصفات بقصد التهويل ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ( النور : 40 )
[ ص: 131 ] الْقِسْمُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28914الْمُبَالَغَةُ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ ; فَتَزِيدُ فِي التَّعْرِيفِ بِمِقْدَارِ شِدَّتِهِ أَوْ ضَعْفِهِ ; فَيُدَّعَى لَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ مَا يُسْتَبْعَدُ عِنْدَ السَّمَاعِ ; أَوْ يُحِيلُ عَقْلُهُ ثُبُوتَهُ .
وَمِنْ أَحْسَنِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ( النُّورِ : 40 ) وَهِيَ ظُلْمَةُ الْبَحْرِ ، وَظُلْمَةُ الْمَوْجِ فَوْقَهُ ، وَظُلْمَةُ السَّحَابِ فَوْقَ الْمَوْجِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=10وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ( الْأَحْزَابِ : 10 ) أَيْ : كَادَتْ تَبْلُغُ ; لِأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا زَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ مَاتَ صَاحِبُهُ .
وَقِيلَ : هُوَ حَقِيقَةٌ ، وَإِنَّ الْخَوْفَ وَالرَّوْعَ يُوجِبُ لِلْخَائِفِ أَنْ تَنْتَفِخَ رِئَتُهُ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَنْهَضَ بِالْقَلْبِ نَحْوَ الْحَنْجَرَةِ ، ذَكَرَهُ
الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ .
أَوْ أَنَّهَا لَمَّا اتَّصَلَ وَجِيبُهَا وَاضْطِرَابُهَا بَلَغَتِ الْحَنَاجِرَ .
وَرَدَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ تَقْدِيرَ " كَادَتْ " فَإِنَّ " كَادَ " لَا تُضْمَرُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=46وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ( إِبْرَاهِيمَ : 46 ) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ( مَرْيَمَ : 90 - 91 ) .
وَمِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْوَصْفِ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=32إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ( الْمُرْسَلَاتِ : 32 - 33 ) .
وَقَدْ يَخْرُجُ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأَعْظَمِ الْأَكْبَرِ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَهُوَ مَجَازٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ( الْفَجْرِ : 22 ) فَجَعَلَ مَجِيءَ جَلَائِلِ آيَاتِهِ مَجِيئًا لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ .
[ ص: 132 ] وَكَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ( النُّورِ : 39 ) فَجَعَلَ نَقْلَهُ بِالْهَلَكَةِ مِنْ دَارِ الْعَمَلِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وُجْدَانًا لِلْمَجَازِيِّ .
وَمِنْهُ مَا جَرَى مَجْرَى الْحَقِيقَةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ( النُّورِ : 43 ) فَإِنَّ اقْتِرَانَ هَذِهِ بِـ " يَكَادُ " صَرْفُهَا إِلَى الْحَقِيقَةِ ; فَانْقَلَبَ مِنَ الِامْتِنَاعِ إِلَى الْإِمْكَانِ .
وَقَدْ تَجِيءُ الْمُبَالَغَةُ مُدْمَجَةً ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=10سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ( الرَّعْدِ : 10 ) فَإِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُدْمَجَةٌ فِي الْمُقَابَلَةِ ، وَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِ لَا إِلَى الْمُخَاطِبِ ; مَعْنَاهُ أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ عِنْدَكُمْ ; وَإِلَّا فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِمُبَالَغَةٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=109قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي ( الْكَهْفِ : 109 ) الْآيَةَ فَقِيلَ : سَبَبُهَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018687أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لَهُ : كَيْفَ عَنَّفَنَا بِهَذَا الْقَوْلِ : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ( الْإِسْرَاءِ : 85 ) وَنَحْنُ قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ ، وَفِيهَا كَلَامُ اللَّهِ وَأَحْكَامُهُ ، وَنُورٌ وَهُدًى ؟ ! فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : التَّوْرَاةُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
وَقِيلَ : إِنَّمَا نَزَلَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=27وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ( لُقْمَانَ : 27 ) .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ الْإِعْلَامُ بِكَثْرَةِ كَلِمَاتِهِ ; وَهِيَ فِي نَفْسِهَا غَيْرُ
[ ص: 133 ] مُتَنَاهِيَةٍ ، وَإِنَّمَا قَرَّبَ الْأَمْرَ عَلَى أَفْهَامِ الْبَشَرِ بِمَا يَتَنَاهَى ; لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يَعْهَدُهُ الْبَشَرُ مِنَ الْكَثْرَةِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : إِنَّ مَا تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ أَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَكُنْ لِتَنْفَدَ ، وَلَمْ تَقْتَضِ الْآيَةُ أَنَّهَا تَنْفَدُ بِأَكْثَرِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْلَامِ وَالْبُحُورِ ; وَكَمَا قَالَ
الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ حِينَ غَمَسَ مِنْقَارَهُ فِيهَا " .
وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا جَاءَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْإِغْضَاءِ عَنِ الْعُيُوبِ ، وَالصَّفْحِ عَنِ الذُّنُوبِ ، وَالتَّغَافُلِ عَنِ الزَّلَّاتِ ، وَالسَّتْرِ عَلَى أَهْلِ الْمُرُوءَاتِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ( الْأَعْرَافِ : 199 ) .
وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ : أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ( فُصِّلَتْ : 34 ) الْآيَةِ .
تَنْبِيهٌ تَحَصَّلَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ قَصْدَ الْمُبَالَغَةِ يَسْتَلْزِمُ فِي الْحَالِ الْإِيجَازَ : إِمَّا بِالْحَذْفِ ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الشَّيْءِ نَفْسَ الشَّيْءِ ، أَوْ يَتَكَرَّرُ لَفْظٌ يَتِمُّ بِتَكَرُّرِهِ التَّهْوِيلُ وَالتَّعْظِيمُ ، وَيَقُومُ مَقَامَ أَوْصَافٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=1الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ ( الْحَاقَّةِ : 1 - 2 ) .
وَقَدْ نَصَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ عَلَى هَذَا كُلِّهِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ كِتَابِهِ لِافْتِرَاقِهَا فِي أَحْكَامٍ .
فَائِدَةٌ : اخْتُلِفَ فِي الْمُبَالَغَةِ عَلَى أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : إِنْكَارُ أَنْ تَكُونَ مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الِاسْتِحَالَةِ .
[ ص: 134 ] وَالثَّانِي : أَنَّهَا الْغَايَةُ فِي الْحُسْنِ ، وَأَعْذَبُ الْكَلَامِ مَا بُولِغَ فِيهِ ، وَقَدْ قَالَ
النَّابِغَةُ :
لَنَا الْجَفَنَاتُ الْغُرُّ يَلْمَعْنَ فِي الضُّحَى وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا
وَالثَّالِثُ : وَهُوَ الْأَصَحُّ ; أَنَّهَا مِنْ مَحَاسِنِ الْكَلَامِ ; وَلَا يَنْحَصِرُ الْحُسْنُ فِيهَا ; فَإِنَّ فَضِيلَةَ الصِّدْقِ لَا تُنْكَرُ ، وَلَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً لَمْ تَرِدْ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَهَا طَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ لُغَةً ، كَمَا فِي الْكِنَايَةِ وَالتَّشْبِيهِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَغَيْرِهَا ، مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يُشْفَعَ مَا يُفْهِمُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي زِيَادَةً ; فَتَتَرَادَفُ الصِّفَاتُ بِقَصْدِ التَّهْوِيلِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ( النُّورِ : 40 )