الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف - رحمه الله تعالى ( وإن nindex.php?page=treesubj&link=23307استرسلت اللحية خرجت عن حد الوجه ففيها قولان : ( أحدهما ) لا تجب إفاضة الماء عليها لأنه شعر لا يلاقي محل الفرض فلم يكن محلا للفرض كالذؤابة .
( والثاني ) يجب لما روي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا غطى لحيته فقال : اكشف لحيتك فإنها من الوجه } ولأنه شعر ظاهر ثابت على بشرة الوجه فأشبه شعر الخد ) .
( الشرح ) هذا الحديث المذكور وجد في أكثر النسخ ولم يوجد في بعضها ، وكذا لم يقع في نسخة قيل : إنها مقروءة على المصنف وهو منقول عن رواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال الحافظ أبو بكر الحازمي : هذا الحديث ضعيف ، قال : ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيء . وقول المصنف : [ ص: 414 ] لأنه شعر ظاهر " احتراز من باطن اللحية الكثة ، وقوله " على بشرة الوجه " احتراز من الناصية ، وقوله : " استرسلت اللحية " أي : امتدت وانبسطت ، والذؤابة بضم الذال وبعدها همزة .
( أما حكم المسألة ) : فقال أصحابنا nindex.php?page=treesubj&link=23307إذا خرجت اللحية عن حد الوجه طولا أو عرضا أو خرج شعر العذار أو العارض أو السبال فهل يجب إفاضة الماء على الخارج ؟ فيه قولان مشهوران ، وهذه المسألة أول مسألة نقل nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني في المختصر فيها قولين : الصحيح منهما عند الأصحاب الوجوب ، وقطع به جماعات من أصحاب المختصرات .
( والثاني ) لا يجب لكن يستحب . والقولان جاريان في الخارج عن حد الوجه طولا أو عرضا كما ذكرناه ، صرح به أبو علي البندنيجي في كتابه الجامع وآخرون . ثم إن عبارة جمهور الأصحاب كعبارة المصنف يقولون : هل يجب إفاضة الماء على الخارج ؟ فيه قولان ، وعبارة صاحب الشامل وقليلين هل يجب غسل ظاهر الخارج ؟ فيه قولان . قال الرافعي : لفظ الإفاضة في اصطلاح المتقدمين إذا استعمل في الشعر كان لإمرار الماء على الظاهر ، ولفظ الغسل للإمرار على الظاهر مع الإدخال في الباطن ، ولهذا اعترضوا على الزبيري حين قال في هذه المسألة : يجب الغسل في قول والإفاضة في قول ، وقالوا : الغسل غير واجب قولا واحدا ، وإنما القولان في الإفاضة . ومقصود الأئمة بلفظ الإفاضة أن داخل المسترسل لا يجب غسله قولا واحدا كالشعر النابت تحت الذقن ، وهذا كلام الرافعي وكذا قال المحاملي في كتابيه : لا خلاف أن غسل الشعر الخارج لا يجب ، وهل يجب إفاضة الماء على ظاهره ؟ فيه القولان ، وقال جماعة منهم إمام الحرمين كلاما مختصره أن النازل عن حد الوجه إن كان كثيفا فالقولان في وجوب إفاضة الماء على ظاهره ، ولا يجب غسل باطنه بلا خلاف ، وإن كان خفيفا فالقولان في وجوب غسله ظاهرا وباطنا ، وهذا هو الصواب ، وكلام الباقين محمول عليه ، ومرادهم المسترسل الكثيف كما هو الغالب . أما قول الغزالي في البسيط إن الخارج عن الوجه هل يجب إفاضة الماء [ ص: 415 ] على ظاهره خفيفا كان أو كثيفا فمخالف للأصحاب كلهم فلا نعلم أحدا صرح بأنه يكتفى في الخفيف بالإفاضة على ظاهره على قول الوجوب ، وأما عكسه وهو وجوب غسل باطن الكثيف فقد أوجبه الزبيري وغيره ، وهو ضعيف بل غلطه الأصحاب فيه .
( فرع ) وقد ذكرنا القولين في وجوب إفاضة الماء على ظاهر شعور الوجه الخارجة عن حده والصحيح منهما عند الأصحاب الوجوب كما سبق وهو محكي عن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وعدم الوجوب محكي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود واختاره nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، ودليل القولين ما ذكره المصنف . وأجاب الأصحاب للقول الصحيح بما احتج به الآخر من القياس على الذؤابة بجوابين : ( أحدهما ) : أن الرأس اسم لما ترأس وعلا وليست الذؤابة كذلك ، والوجه ما حصلت به المواجهة وهي حاصلة بالمسترسل .
( والثاني ) : أنا سلكنا الاحتياط في الموضعين والله أعلم
( فرع ) في مسائل تتعلق بغسل الوجه : ( إحداها ) : قال صاحب الحاوي : nindex.php?page=treesubj&link=34صفة غسل الوجه المستحبة أن يأخذ الماء بيديه جميعا لأنه أمكن وأصبغ ، ويبدأ بأعلى وجهه ثم يحدره ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل ، ولأن أعلى الوجه أشرف لكونه موضع السجود ، ولأنه أمكن فيجري الماء بطبعه ثم يمر يديه بالماء على وجهه حتى يستوعب جميع ما يؤمر بإيصال الماء إليه ، فإن أوصل الماء على صفة أخرى أجزأه . هذا كلام الماوردي ، وهذا الذي ذكره من أخذ الماء باليدين هو الصحيح الذي نص عليه في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني وقطع به الجمهور ، وقيل : يأخذه بيد ، وفيه وجه ثالث لزاهر السرخسي من متقدمي أصحابنا أنه يغرف ، بكفه اليمنى ويضع ظهرها على بطن كفه اليسرى ويصبه من أعلى جبهته ، وقد ثبت معنى هذه الأوجه الثلاثة في الحديث الصحيح ففي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=17214ثم أدخل يده [ ص: 416 ] فغسل وجهه ثلاثا } هكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في مواضع من صحيحه nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم " يده " بالإفراد وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري { nindex.php?page=hadith&LINKID=17214ثم أدخل يديه فاغترف بهما فغسل وجهه ثلاثا } وكذا هو بالتثنية في سنن أبي داود وغيره من رواية nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه لكن في إسنادها ضعف . وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=17211ثم أخذ غرفة فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ } فهذه الأحاديث دالة على أن جميع ذلك سنة ، لكن الأخذ بالكفين أفضل على المختار لما سبق والله أعلم
( المسألة الثانية ) : قال أصحابنا صاحب التتمة وآخرون : nindex.php?page=treesubj&link=34_25973يجب على المتوضئ غسل جزء من رأسه ورقبته وما تحت ذقنه مع الوجه لأنه لا يمكن استيعاب الوجه إلا بذلك ، كما يجب إمساك جزء من الليل في الصيام ليستوعب النهار ، وقد ذكر المصنف هذه المسألة عند ذكر القلتين
( الثالثة ) : لو nindex.php?page=treesubj&link=34خرجت في وجهه سلعة وخرجت عن حد الوجه وجب غسلها كلها على المذهب ، وبه قطع صاحبا البحر والبيان لندوره . ولأنها كلها تعد من الوجه ، وذكر الجرجاني في التحرير طريقين أصحهما هذا ( والثاني ) : أن الخارج عن حد الوجه فيه قولان كاللحية المسترسلة
( الرابعة ) : nindex.php?page=treesubj&link=62_27016لو قطع أنفه أو شفته هل يلزمه غسل ما ظهر بالقطع في الوضوء والغسل فيه وجهان أصحهما نعم كما لو كشط جلدة وجهه أو يده .
( والثاني ) : لا ، لأنه كان يمكن غسله قبل القطع ولم يكن واجبا فبقي على ما كان
( الخامسة ) : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : يستحب nindex.php?page=treesubj&link=34غسل النزعتين مع الوجه لأن بعض العلماء جعلهما من الوجه ، فيستحب الخروج من الخلاف .
( السادسة ) : يجب nindex.php?page=treesubj&link=34_62غسل ما ظهر من حمرة الشفتين ذكره الدارمي .
( السابعة ) : nindex.php?page=treesubj&link=34_53لو كان له وجهان على رأسين وجب غسل الوجهين ذكره الدارمي قال : ويجزئه مسح أحد الرأسين قال : ويحتمل أن يجب مسح بعض كل رأس .
[ ص: 417 ] الثامنة ) : nindex.php?page=treesubj&link=34ينبغي أن يغسل الصدغين وهل هما من الرأس أو الوجه ؟ فيه ثلاثة أوجه سنوضحها في فصل مسح الرأس ، حيث ذكره المصنف إن شاء الله تعالى .
( التاسعة ) : nindex.php?page=treesubj&link=63_281لا يجب إمرار اليد على الوجه ولا غيره من الأعضاء لا في الوضوء ولا في الغسل لكن يستحب ، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني : يجب ، وسنوضح المسألة بدلائلها إن شاء الله تعالى في باب الغسل حيث ذكرها المصنف والأصحاب والله أعلم