الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 533 ] تفسير سورة الأعراف

                                                                                                                                                                                                                                        مكية

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين

                                                                                                                                                                                                                                        (1 – 2) يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مبينا له عظمة القرآن: كتاب أنزل إليك أي: كتاب جليل حوى كل ما يحتاج إليه العباد، وجميع المطالب الإلهية، والمقاصد الشرعية، محكما مفصلا فلا يكن في صدرك حرج منه أي: ضيق وشك واشتباه، بل لتعلم أنه تنزيل من حكيم حميد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فلينشرح له صدرك، ولتطمئن به نفسك، ولتصدع بأوامره ونواهيه، ولا تخش لائما ومعارضا.

                                                                                                                                                                                                                                        لتنذر به الخلق، فتعظهم وتذكرهم، فتقوم الحجة على المعاندين.

                                                                                                                                                                                                                                        ( و ) ليكن " ذكرى للمؤمنين " كما قال تعالى: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين يتذكرون به الصراط المستقيم، وأعماله الظاهرة والباطنة، وما يحول بين العبد، وبين سلوكه.

                                                                                                                                                                                                                                        (3) ثم خاطب الله العباد، ولفتهم إلى الكتاب فقال: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم أي: الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم، وهو: من ربكم الذي يريد أن يتم تربيته لكم، فأنزل عليكم هذا الكتاب الذي إن اتبعتموه، كملت [ ص: 534 ] تربيتكم، وتمت عليكم النعمة، وهديتم لأحسن الأعمال والأخلاق ومعاليها ولا تتبعوا من دونه أولياء أي: تتولونهم، وتتبعون أهواءهم، وتتركون لأجلها الحق.

                                                                                                                                                                                                                                        قليلا ما تذكرون فلو تذكرتم وعرفتم المصلحة، لما آثرتم الضار على النافع، والعدو على الولي.

                                                                                                                                                                                                                                        (4) ثم حذرهم عقوباته للأمم الذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم، لئلا يشابهوهم فقال: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا أي: عذابنا الشديد بياتا أو هم قائلون أي: في حين غفلتهم، وعلى غرتهم غافلون، لم يخطر الهلاك على قلوبهم. فحين جاءهم العذاب لم يدفعوه عن أنفسهم، ولا أغنت عنهم آلهتهم التي كانوا يرجونهم، ولا أنكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي.

                                                                                                                                                                                                                                        (5) فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين كما قال تعالى: وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين .

                                                                                                                                                                                                                                        (6) وقوله فلنسألن الذين أرسل إليهم أي لنسألن الأمم الذين أرسل الله إليهم المرسلين عما أجابوا به رسلهم ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                        ولنسألن المرسلين عن تبليغهم لرسالات ربهم وعما أجابتهم به أممهم .

                                                                                                                                                                                                                                        (7) فلنقصن عليهم أي على الخلق كلهم ما عملوا بعلم منه تعالى لأعمالهم وما كنا غائبين في وقت من الأوقات كما قال تعالى أحصاه الله ونسوه وقال تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين .

                                                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر الجزاء على الأعمال، فقال:

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية