الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر أهل الكفر معبرا عنهم بأدنى طبقاتهم ليشمل من فوقهم، ذكر أضدادهم كذلك ليعم من كان منهم من جميع الفرق فقال تعالى: والذين آمنوا أي: أقروا بالإيمان باللسان وعملوا تصديقا لدعواهم ذلك الصالحات أي: الأعمال الكاملة في الصلاة بتأسيسها على الإيمان. ولما كان هذا الوصف لا يخص أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، خصهم بقوله تعالى: وآمنوا أي: مع ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان بعضهم كحيي بن أخطب ومن نحا نحوه قد طعن في القرآن بنزوله منجما مع أن التوراة ما نزلت إلا كذلك، وليس أحد منهم يقدر أن ينكره قال: بما نـزل أي: ممن لا منزل إلا هو منجما مفرقا ليجددوا بعد [ ص: 198 ] الإيمان به إجمالا الإيمان بكل نجم منه على محمد النبي الأمي العربي القرشي المكي [ثم] المدني الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل صلى الله عليه وسلم، [ولما كان هذا معلما بأن كل إيمان لم يقترن بالإيمان به صلى الله عليه وسلم] لم يعتد به، اعترض بين المبتدأ وجوابه بما يفهم علته حثا عليه وتأكيدا له فقال تعالى: وهو أي: هذا الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم مختص بأنه الحق أي: الكامل في الحقية لأن ينسخ ولا ينسخ كائنا من ربهم المحسن إليهم بإرساله، أما إحسانه إلى أمته فواضح، وأما سائر الأمم فبكونه هو الشافع فيهم الشفاعة العظمى يوم القيامة، وأمته هي الشاهدة لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ثبت بهذا أنهم أحق الناس بالحق، بين ما أثمر لهم ذلك دالا على أنه لا يقدر [أحد] أن يقدر الله حق قدره، فلا يسع الخلق إلا العفو؛ لأنهم وإن اجتهدوا في الإصلاح بدا لهم لنقصانهم من سيئات أو هفوات فقال تعالى: كفر أي: غطى تغطية عظيمة عنهم في الدارين بتوبتهم وإيمانهم؛ لأن التوبة تجب ما كان قبلها كالإيمان سيئاتهم أي: الأعمال السيئة التي لحقتهم قبل ذلك بما يظهر لهم من [ ص: 199 ] المحاسن وهدى أعمالهم. ولما كان من يعمل سوءا يخاف عاقبته فيتفرق فكره، إذ لا عيشة لخائف قال تعالى: وأصلح بالهم أي: موضع سرهم وفكرهم بالأمن والتوفيق والسداد وقوة الفهم والرشاد لما يوفقهم له من محاسن الأعمال ويطيب به اسمهم في الدارين، قال ابن برجان : وإذا أصلح ذلك [من العبد] صلح ما يدخل إليه وما يخرج عنه وما يثبت فيه، وإذا فسد فبالضد من ذلك. ولذلك إذا اشتغل البال لم ينتفع من صفات الباطن بشيء، وقد علم أن الآية من الاحتباك: ذكر ضلال الكفار أولا دليلا على إرادة الهدى للمؤمنين ثانيا، وإصلاح البال ثانيا دليلا على [حذف] إفساده أولا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية