الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      عبيدة بن عمرو

                                                                                      السلماني ، الفقيه المرادي ، الكوفي ، أحد الأعلام . وسلمان جدهم . هو ابن ناجية بن مراد .

                                                                                      أسلم عبيدة في عام فتح مكة بأرض اليمن ، ولا صحبة له ، وأخذ عن علي وابن مسعود ، وغيرهما ، وبرع في الفقه ، وكان ثبتا في الحديث .

                                                                                      روى عنه إبراهيم النخعي ، والشعبي ، ومحمد بن سيرين ، وعبد الله بن سلمة المرادي ، [ ص: 41 ] وأبو إسحاق ، ومسلم أبو حسان الأعرج ، وآخرون .

                                                                                      قال الشعبي كان عبيدة يوازي شريحا في القضاء .

                                                                                      وقال ابن سيرين : ما رأيت رجلا كان أشد توقيا من عبيدة . وكان محمد بن سيرين مكثرا عنه .

                                                                                      قال أحمد العجلي : كان عبيدة أحد أصحاب عبد الله بن مسعود الذين يقرئون ويفتون . وكان أعور .

                                                                                      قرأت على أحمد بن إبراهيم الخطيب عام سبع مائة : أنبأنا أبو الحسن السخاوي ، أنبأنا أبو طاهر السلفي ، أنبأنا المبارك بن عبد الجبار ، أنبأنا محمد بن محمد السواق ، أنبأنا عيسى بن حامد الرخجي ، حدثنا الهيثم بن خلف ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا معاذ بن معاذ ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : صليت قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين ولم أره .

                                                                                      قال أبو عمرو بن الصلاح روينا عن عمرو بن علي الفلاس ، أنه قال : أصح الأسانيد ابن سيرين عن عبيدة ، عن علي .

                                                                                      قلت : لا تفوق لهذا الإسناد مع قوته على إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، ولا على الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، إن هذين الإسنادين روي بهما أحاديث جمة في الصحاح وليس كذلك الأول ، فما في " الصحيحين " لعبيدة عن علي سوى حديث واحد .

                                                                                      [ ص: 42 ] وعند البخاري حديث آخر موقوف بهذا الإسناد ، وانفرد مسلم بحديث آخر سأرويه بعد .

                                                                                      قال أبو أحمد الحاكم : كنية عبيدة ، أبو مسلم ، وأبو عمرو .

                                                                                      وروى هشام بن حسان ، عن محمد ، عن عبيدة ، قال : اختلف الناس في الأشربة فمالي شراب منذ ثلاثين سنة إلا العسل واللبن والماء . قال محمد : وقلت لعبيدة : إن عندنا من شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا من قبل أنس بن مالك ، فقال : لأن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض .

                                                                                      قلت : هذا القول من عبيدة هو معيار كمال الحب ، وهو أن يؤثر شعرة نبوية على كل ذهب وفضة بأيدي الناس . ومثل هذا يقول هذا الإمام بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بخمسين سنة ، فما الذي نقوله نحن في وقتنا لو وجدنا بعض شعره بإسناد ثابت ، أو شسع نعل كان له ، أو قلامة ظفر ، أو شقفة من إناء شرب فيه . فلو بذل الغني معظم أمواله في تحصيل شيء من ذلك عنده ، أكنت تعده مبذرا أو سفيها؟ كلا . فابذل مالك في زورة مسجده الذي بنى فيه بيده والسلام عليه عند حجرته في بلده ، والتذ بالنظر إلى " أحده " وأحبه ; فقد كان نبيك -صلى الله عليه وسلم- يحبه ، وتملأ بالحلول في روضته ومقعده ، فلن تكون مؤمنا حتى يكون هذا السيد أحب إليك من نفسك وولدك وأموالك والناس كلهم .

                                                                                      وقبل حجرا مكرما نزل من الجنة ، وضع فمك لاثما مكانا قبله سيد البشر بيقين ، فهنأك الله بما أعطاك ، فما فوق ذلك مفخر؟ ولو ظفرنا بالمحجن الذي أشار به الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الحجر ثم قبل محجنه ، لحق لنا أن نزدحم على ذلك المحجن بالتقبيل والتبجيل . ونحن ندري بالضرورة أن تقبيل الحجر أرفع وأفضل من تقبيل محجنه ونعله .

                                                                                      [ ص: 43 ] وقد كان ثابت البناني إذا رأى أنس بن مالك أخذ يده فقبلها ، ويقول : يد مست يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ، فنقول نحن إذ فاتنا ذلك : حجر معظم بمنزلة يمين الله في الأرض مسته شفتا نبينا -صلى الله عليه وسلم- لاثما له . فإذا فاتك الحج وتلقيت الوفد فالتزم الحاج وقبل فمه وقل : فم مس بالتقبيل حجرا قبله خليلي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      قال ابن سيرين ، قال علي : يا أهل الكوفة ، أتعجزون أن تكونوا مثل السلماني والهمداني؟ -يعني الحارث بن الأزمع وليس بالأعور- إنما هما شطرا رجل .

                                                                                      قال حماد بن زيد : وكان عبيد أعور .

                                                                                      قال ابن سيرين : كان أصحاب عبد الله منهم من يقدم عبيدة ، ومنهم من يقدم علقمة ، ولا يختلفون أن شريحا آخرهم .

                                                                                      قال الثوري : عن النعمان بن قيس ، قال : دعا عبيدة بكتبه عند موته فمحاها وقال أخشى أن تضعوها على غير موضعها .

                                                                                      قال عاصم : عن ابن سيرين ، جاء قوم إلى عبيدة ليصلح بينهم ، فقال : لا أقول حتى تؤمروني .

                                                                                      عبد الواحد بن زياد : حدثنا النعمان بن قيس ، حدثني أبي ، قلت لعبيدة : بلغنى أنك تموت ، ثم ترجع قبل يوم القيامة ، تحمل راية فيفتح لك فتح . قال : لئن أحياني الله اثنتين ، وأماتني اثنتين قبل يوم القيامة ، ما أراد بي خيرا .

                                                                                      [ ص: 44 ] قال أبو حصين : أوصى عبيدة أن يصلي عليه الأسود بن يزيد ، فقال الأسود : عجلوا به قبل أن يجيء الكتاب - يعني المختار .

                                                                                      أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي ، أنبأنا عبد المعز بن محمد ، أنبأنا تميم بن أبي سعيد ، أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا محمد بن أحمد ، أنبأنا أبو يعلى ، حدثنا القواريري ، حدثنا حماد ، عن أيوب عن محمد ، عن عبيدة ، قال : ذكر علي -رضي الله عنه- أهل النهروان فقال : فيهم رجل مودن اليد أو مثدن اليد أو مخدج اليد ، لولا أن تبطروا ، لأنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونه على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- . قلت : أنت سمعته منه؟ قال : إي ورب الكعبة .

                                                                                      هذا حديث صحيح ، رواه ابن علية أيضا عن أيوب السختياني ، ورواه ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، أخرجه مسلم وأبو داود .

                                                                                      وفي وفاة عبيدة أقوال ، أصحها في سنة اثنتين وسبعين .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية