الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2612 [ ص: 254 ] 21 - باب: قول الله تعالى : وآتوا اليتامى أموالهم إلى قوله : فانكحوا ما طاب لكم من النساء [النساء : 2 - 3]

                                                                                                                                                                                                                              2763 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : كان عروة بن الزبير يحدث أنه سأل عائشة رضي الله عنها : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء [النساء : 4] قالت : هي اليتيمة في حجر وليها ، فيرغب في جمالها ومالها ، ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها ، فنهوا عن نكاحهن ، إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء ، قالت عائشة : ثم استفتى الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ، فأنزل الله -عز وجل - : ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن [النساء : 127] قالت : فبين الله في هذه أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ، ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق ، فإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء ، قال : فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها ، إلا أن يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها . [انظر : 2494 - مسلم: 3018 - فتح: 5 \ 391]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              وذكر فيه حديث عروة بن الزبير أنه سأل عائشة : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ففسرتها وسيأتي أيضا في النكاح .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى : ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب [النساء : 2] الحرام بالحلال ، أو أن تجعل الزائف بدل الجيد ، والمهزول بدل السمين ، أو استعجال أكل الحرام قبل مجيء الحلال ، أو كانوا لا يرثون الصغار والنساء ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 255 ] ويأخذ الرجل الأكثر فيتبدل نصيبه من الميراث بأخذه الكل ، وهو خبيث .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : إلى أموالكم [النساء : 2] قيل : (إلى ) بمعنى : مع ، والأجود أن تكون في موضعها ويكون المعنى : ولا تضموا أموالهم إلى أموالكم .

                                                                                                                                                                                                                              (حوبا ) : إنما تحوب من كذا : توقى إثمه ، قال الفراء : الحوب لأهل الحجاز ، والحوب لتميم ، وقال ابن عزير : هو بالضم الاسم ، وبالفتح المصدر .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن ابن عباس في تفسير الآية أنه قال : قصر الرجل على أربع من أجل اليتامى .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن جماعة من التابعين أيضا ، وكان المسلمون يسألون عن أمر اليتامى لما شدد في ذلك فنزلت الآية ، وتفسير عائشة عليه أهل النظر ، وجماعة من أهل اللغة على قول ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                              قال المبرد : التقدير : وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى . ثم حذف .

                                                                                                                                                                                                                              قال مجاهد : معناه : إن خفتم ألا تعدلوا وتحرجتم أن (تلوا ) أموال اليتامى تحرجوا من (الزنا ) وقال غيره : المعنى : وإن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى ، فكذلك ينبغي أن تخافوا ألا تعدلوا بين الأربع ، فانكحوا واحدة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 256 ] قال الداودي : وفسره ابن عباس بما هو قريب من تفسير عائشة ، فقال : كما خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فخافوا مثل ذلك في يتامى النساء ، فانكحوا ما طاب لكم من النساء في ولايتكم . قال : وفي القول اختصار ، وهو أنه من القسط لهن أن يستأمرن في أنفسهن ولا يعضلن على نكاح من لم يشأن ، وبينه الشارع بقوله : "الأيم أحق بنفسها من وليها " وقيل : كانت قريش في الجاهلية تكثر التزوج بلا حصر ، فإذا كثرت عليهم المؤن ، وقل ما بأيديهم أكلوا ما عندهم من أموال اليتامى ، فقيل لهم : إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا إلى الأربع حصر العدد .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ما طاب لكم من طاب أو فانكحوا نكاحا طيبا .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية