[ ص: 96 ] كتاب اللباس
باب تحريم لبس الحرير والذهب على الرجال دون النساء
544 - عن قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { عمر } . لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
545 - ( عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أنس } . متفق عليهما ) . من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة
كتاب اللباس
- باب تحريم لبس الحرير والذهب على الرجال دون النساء
- باب في أن افتراش الحرير كلبسه
- باب إباحة يسير ذلك كالعلم والرقعة
- باب لبس الحرير للمريض
- باب ما جاء في لبس الخز وما نسج من حرير وغيره
- باب نهي الرجال عن المعصفر وما جاء في الأحمر
- باب ما جاء في لبس الأبيض والأسود والأخضر والمزعفر والملونات
- باب حكم ما فيه صورة من الثياب والبسط والستور والنهي عن التصوير
- باب ما جاء في لبس القميص والعمامة والسراويل
- باب الرخصة في اللباس الجميل واستحباب التواضع قيه
- باب نهي المرأة أن تلبس ما يحكي بدنها أو تشبه بالرجال
- باب التيامن في اللبس وما يقول من استجد ثوبا
التالي
السابق
الحديثان يدلان على ما في الأول من النهي الذي يقتضي بحقيقته التحريم ، وتعليل ذلك بأن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، والظاهر أنه كناية عن عدم دخول الجنة ، وقد قال الله تعالى في أهل الجنة : { تحريم لبس الحرير ولباسهم فيها حرير } فمن لبسه في الدنيا لم يدخل الجنة ، روى ذلك عن النسائي وأخرج ابن الزبير عن النسائي أنه قال : " والله لا يدخل الجنة " وذكر الآية وأخرج ابن عمر النسائي عن والحاكم أنه قال : " وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه " . ويدل على ذلك أيضا حديث أبي سعيد عند الشيخين بلفظ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عمر } والخلاق كما في كتب اللغة وشروح الحديث : النصيب أي من لا نصيب له في الآخرة ، وهكذا إذا فسر بمن لا حرمة له ، أو من لا دين له كما قيل . وهكذا حديث إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة عند الستة إلا ابن عمر الترمذي بلفظ : أنه { حلة من إستبرق تباع فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفود ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هذه لباس من لا خلاق له ، ثم لبث عمر ما شاء الله أن يلبث ، فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج ، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله قلت : إنما هذه لباس من لا خلاق له ثم أرسلت إلي بهذه فقال صلى الله عليه وسلم : إني لم أرسلها إليك لتلبسها ولكن لتبيعها وتصيب بها حاجتك عمر } . ومن أدلة التحريم حديث رأى السابق في الباب الذي قبل هذا الكتاب فإن قوله : { عقبة بن عامر } إرشاد إلى أن لابس الحرير ليس من زمرة المتقين . وقد علم وجوب الكون منهم . ومن ذلك ما عند لا ينبغي هذا للمتقين بلفظ : { البخاري } . ومن ذلك حديث الذهب والفضة والحرير والديباج لهم في الدنيا ولكم في الآخرة أبي موسى وعلي وحذيفة وعمر وأبي عامر وسيأتي وإذا لم تفد هذه الأدلة التحريم فما في الدنيا محرم . وأما معارضتها بما سيأتي فستعرف ما عليه . وقد أجمع المسلمون على التحريم ذكر [ ص: 97 ] ذلك المهدي في البحر ، وقد نسب فيه الخلاف في التحريم إلى ابن علية وقال : إنه انعقد الإجماع بعده على التحريم . وقال القاضي عياض : حكي عن قوم إباحته ، وقال أبو داود : إنه لبس الحرير عشرون نفسا من الصحابة أو أكثرهم ، منهم أنس ووقع الإجماع على أن التحريم مختص بالرجال دون النساء ، وخالف في ذلك والبراء بن عازب مستدلا بعموم الأحاديث ، ولعله لم يبلغه المخصص الذي سيأتي . ابن الزبير
وقد استدل من جوز لبس الحرير بأدلة منها حديث المتقدم في الباب الذي قبل الكتاب ، وقد عرفت الجواب عن ذلك فيما سلف . ومنها حديث عقبة بن عامر في الجبة التي كان يلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي في باب إباحة اليسير من الحرير وسنذكر الجواب عنه هنالك . ومنها حديث أسماء بنت أبي بكر المسور بن مخرمة عند الشيخين { مخرمة خبأنا لك هذا وجعل يريه محاسنه ، وقال : أرضي مخرمة } . والجواب أن هذا فعل لا ظاهر له ، والأقوال صريحة في التحريم ، على أنه لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحرير ، ثم كان التحريم آخر الأمرين كما يشعر بذلك حديث أنها قدمت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية فذهب هو وأبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لشيء منها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قبا من ديباج مزرور ، فقال : يا المتقدم . ومنها حديث جابر عن أبيه وسيأتي في باب ما جاء في لبس الحرير ، وسنذكر الجواب عنه هنالك . عبد الله بن سعد
ومنها ما تقدم من لبس جماعة من الصحابة له ، وسيأتي الجواب عليه في باب ما جاء في لبس الخز . ومنها { الروم ثم بعث بها إلى جعفر فلبسها ثم جاءه فقال : إني لم أعطكها لتلبسها ، قال : فما أصنع ؟ قال : أرسل بها إلى أخيك النجاشي } أخرجه أنه صلى الله عليه وسلم لبس مستقة من سندس أهداها له ملك أبو داود . والجواب عن الاحتجاج بلبسه صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم في الجواب عن حديث مخرمة . وأما عن الاحتجاج بأمره صلى الله عليه وسلم لجعفر أن يبعث بها فالجواب عنه كالجواب الذي سيأتي في شرح حديث لبسه صلى الله عليه وسلم للخز ، على أن الحديث غير صالح للاحتجاج ، لأن في إسناده للنجاشي ولا يحتج بحديثه ، ويمكن أن يقال : إن لبسه صلى الله عليه وسلم لقباء الديباج وتقسيمه للأقبية بين أصحابه ليس فيه ما يدل على أنه متقدم على أحاديث النهي ، كما أنه ليس فيها ما يدل على أنها متأخرة عنه ، فيكون قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة ، ويكون ذلك جمعا بين الأدلة ، ومن مقويات هذا ما تقدم أنه لبسه عشرون صحابيا ، ويبعد كل البعد أن يقدموا على ما هو محرم في الشريعة ، ويبعد أيضا أن يسكت عنهم سائر الصحابة وهم يعلمون تحريمه فقد كانوا ينكرون على بعضهم بعضا ما هو أخف من هذا . علي بن زيد بن جدعان
وقد اختلفوا في فذهب الأكثر إلى التحريم ، قالوا : لأن قوله " على ذكور أمتي " كما في الحديث الآتي يعمهم . ولحديث [ ص: 98 ] الصغار أيضا هل يحرم إلباسهم الحرير أم لا ؟ عند ثوبان أبي داود { ، فوجدها قد علقت سترا على بابها وحلت الحسنين بقلبين من فضة فتقدم فلم يدخل عليها فظنت أنه إنما منعه أن يدخل ما رأى فهتكت الستر وفكت القلبين عن الصبيين فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكيان فأخذه منهما وقال : يا فاطمة اذهب بهذا إلى آل فلان ثوبان } الحديث . وهذا وإن كان واردا في الحلية ولكنه مشعر بأن حكمهم حكم المكلفين فيها فيكون حكمهم في لبس الحرير كذلك . أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من غزاة ، وكان لا يقدم إلا بدأ حين يقدم ببيت
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن في آخر الحديث ما يشعر بعدم التحريم فإنه قال : { نحن أهل بيت لا نستغرق طيباتنا في حياتنا الدنيا } أو كما قال . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } والصغار غير مكلفين إنما التكليف على الكبار ، وقد روي أن عليكم بالفضة فالعبوا بها كيف شئتم إسماعيل بن عبد الرحمن دخل على وعليه قميص من حرير وسواران من ذهب فشق القميص وفك السوارين ، وقال : اذهب إلى أمك . وقال عمر : إنه يجوز إلباسهم الحرير ، وقال أصحاب محمد بن الحسن : يجوز في يوم العيد ; لأنه لا تكليف عليهم وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه : أصحها جوازه ، والثاني تحريمه ، والثالث يحرم بعد سن التمييز . واختلفوا في المقدار الذي يستثنى من الحرير للرجال وسيأتي الكلام عليه . الشافعي
546 - ( وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } . رواه أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها أحمد والنسائي والترمذي وصححه ) . الحديث أيضا أخرجه أبو داود وصححه والحاكم ، وفي إسناده والطبراني عن سعيد بن أبي هند أبي موسى ، قال أبو حاتم : إنه لم يلقه ، وقال في العلل : لم يسمع الدارقطني من سعيد بن أبي هند أبي موسى .
وقال في صحيحه : حديث ابن حبان عن سعيد بن أبي هند أبي موسى معلول لا يصح ، والحديث قد صححه الترمذي ، كما ذكره المصنف ، وصححه أيضا كما ذكر الحافظ . وقد روي من طريق ابن حزم يحيى بن سليم عن عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، ذكر ذلك ابن عمر في العلل ، قال : والصحيح عن الدارقطني عن نافع عن سعيد بن أبي هند أبي موسى . وقد اختلف فيه على فرواه نافع أيوب عن وعبيد الله بن عمر عن نافع سعيد مثله ، ورواه عبد الله بن عمر العمري عن عن نافع سعيد عن رجل عن أبي موسى .
وفي الباب عن عند علي بن أبي طالب أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ { وابن حبان } زاد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي " حل لإناثهم " وبين [ ص: 99 ] ابن ماجه الاختلاف فيه على النسائي . قال الحافظ : وهو اختلاف لا يضر ، ونقل يزيد بن أبي حبيب عبد الحق عن أنه قال : حديث حسن ، ورجاله معروفون ، وذكر علي بن المديني الاختلاف فيه على الدارقطني زيد بن أبي حبيب ، ورجح رواية النسائي عن ابن المبارك عن الليث يزيد عن ابن أبي الصعبة عن رجل من همدان يقال له أفلح عن عبد الله بن زرير عن عليه السلام قال الحافظ : الصواب علي أبو أفلح .
وقد أعله ابن القطان بجهالة حال رواته ما بين يزيد بن أبي حبيب فأما وعلي عبد الله بن زرير فقد وثقه العجلي وابن سعد ، وأما أبو أفلح فقال الحافظ : ينظر فيه ، وأما ابن أبي الصعبة فقد ذكره في الثقات واسمه ابن حبان عبد العزيز .
وفي الباب أيضا عن عند عقبة بن عامر بإسناد حسن . وعن البيهقي عند عمر البزار وفيه والطبراني عمر بن جرير البجلي ، قال : لين الحديث . وعن البزار نحو حديث عبد الله بن عمرو أبي موسى عند ابن ماجه والبزار وأبي يعلى وفي إسناده والطبراني الإفريقي وهو ضعيف . وعن عند زيد بن أرقم الطبراني والعقيلي في الضعفاء ، وفيه وابن حبان ثابت بن زيد قال : له مناكير . أحمد
وعن عند واثلة بن الأسقع وإسناده مقارب . وعن الدارقطني عند ابن عباس الدارقطني بإسناد واه ، وهذه الطرق متعاضدة بكثرتها ينجبر الضعيف الذي لم تخل منه واحدة منها . والحديث دليل للجماهير القائلين بتحريم الحرير والذهب على الرجال وتحليلهما للنساء ، وقد تقدم الخلاف في ذلك . والبزار
547 - ( وعن عليه السلام قال : { علي } متفق عليه ) . أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فبعث بها إلي فلبستها فعرفت الغضب في وجهه ، فقال : إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء .
قوله : ( أهديت إلى النبي ) أهداها له ملك أيلة وهو مشرك .
قوله : ( حلة ) الحلة على ما في القاموس وغيره من كتب اللغة : إزار ورداء ، ولا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة ، وهي بضم الحاء .
قوله : ( سيراء ) بكسر السين المهملة بعدها مثناة تحتية ثم راء مهملة ثم ألف ممدودة قال في القاموس : كعنباء ، نوع من البرود فيه خطوط صفر أو يخالطه حرير والذهب الخالص ا هـ .
قال : هي برود مضلعة بالقز ، وكذا قال الخطابي الخليل والأصمعي وأبو داود . وقال آخرون : إنها شبهت خطوطها بالسيور . وقيل : هي مختلفة الألوان قاله الأزهري ، وقيل : هي وشي من حرير قاله ، وقيل : هي حرير محض . وقال مالك : إنها ضرب من البرود . وقال ابن سيده : إنها ما كان فيه خطوط صفر ، وقيل : ما يعمل من القز . وقيل : ما يعمل من ثياب الجوهري اليمن ، وقد روي تنوين [ ص: 100 ] الحلة وإضافتها والمحققون على الإضافة . قال : كذا قيد عمن يوثق بعلمه . فهو على هذا من باب إضافة الشيء إلى صفته ، على أن القرطبي قال : لم يأت فعلاء صفة . سيبويه
قوله : ( خمرا ) جمع خمار . وقوله : ( بين النساء ) زاد في رواية " فشققته بين نسائي " وفي رواية " بين الفواطم " وهن ثلاث صلى الله عليه وسلم : فاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت أسد أم ، علي وفاطمة بنت حمزة ، وذكر عبد الغني أن الفواطم أربع ، والرابعة وابن عبد البر فاطمة بنت شيبة بن ربيعة ، كذا قاله عياض وابن رسلان . والحديث يدل على المنع من لبس الثوب المشوب بالحرير إن كانت السيراء تطلق على المخلوط بالحرير ، وإن لم يكن خالصا كما هو المشهور عند أئمة اللغة ، وإن كانت الحرير الخالص كما قاله البعض فلا إشكال . وقد رجح بعضهم أنه الخالص لحديث { ابن عباس } وسيأتي وستعرف ما هو الحق في المقدار الذي يحل من المشوب . ويدل الحديث أيضا على حل الحرير للنساء وقد تقدم الكلام على ذلك . أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الثوب المصمت
548 - ( وعن أنه رأى على أنس بن مالك أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم برد حلة سيراء . رواه البخاري والنسائي وأبو داود ) .
قوله : ( أم كلثوم ) هي بنت تزوجها خديجة بنت خويلد عثمان بعد . رقية
قوله : ( برد حلة ) الإضافة في رواية . وفي رواية البخاري أبي داود برد سيراء بالتنوين . والحديث من أدلة جواز الحرير للنساء إن فرض إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وتقريره ، وقد تقدم مخالفة في ذلك . . ابن الزبير
وقد استدل من جوز لبس الحرير بأدلة منها حديث المتقدم في الباب الذي قبل الكتاب ، وقد عرفت الجواب عن ذلك فيما سلف . ومنها حديث عقبة بن عامر في الجبة التي كان يلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي في باب إباحة اليسير من الحرير وسنذكر الجواب عنه هنالك . ومنها حديث أسماء بنت أبي بكر المسور بن مخرمة عند الشيخين { مخرمة خبأنا لك هذا وجعل يريه محاسنه ، وقال : أرضي مخرمة } . والجواب أن هذا فعل لا ظاهر له ، والأقوال صريحة في التحريم ، على أنه لا نزاع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحرير ، ثم كان التحريم آخر الأمرين كما يشعر بذلك حديث أنها قدمت للنبي صلى الله عليه وسلم أقبية فذهب هو وأبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لشيء منها فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قبا من ديباج مزرور ، فقال : يا المتقدم . ومنها حديث جابر عن أبيه وسيأتي في باب ما جاء في لبس الحرير ، وسنذكر الجواب عنه هنالك . عبد الله بن سعد
ومنها ما تقدم من لبس جماعة من الصحابة له ، وسيأتي الجواب عليه في باب ما جاء في لبس الخز . ومنها { الروم ثم بعث بها إلى جعفر فلبسها ثم جاءه فقال : إني لم أعطكها لتلبسها ، قال : فما أصنع ؟ قال : أرسل بها إلى أخيك النجاشي } أخرجه أنه صلى الله عليه وسلم لبس مستقة من سندس أهداها له ملك أبو داود . والجواب عن الاحتجاج بلبسه صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم في الجواب عن حديث مخرمة . وأما عن الاحتجاج بأمره صلى الله عليه وسلم لجعفر أن يبعث بها فالجواب عنه كالجواب الذي سيأتي في شرح حديث لبسه صلى الله عليه وسلم للخز ، على أن الحديث غير صالح للاحتجاج ، لأن في إسناده للنجاشي ولا يحتج بحديثه ، ويمكن أن يقال : إن لبسه صلى الله عليه وسلم لقباء الديباج وتقسيمه للأقبية بين أصحابه ليس فيه ما يدل على أنه متقدم على أحاديث النهي ، كما أنه ليس فيها ما يدل على أنها متأخرة عنه ، فيكون قرينة صارفة للنهي إلى الكراهة ، ويكون ذلك جمعا بين الأدلة ، ومن مقويات هذا ما تقدم أنه لبسه عشرون صحابيا ، ويبعد كل البعد أن يقدموا على ما هو محرم في الشريعة ، ويبعد أيضا أن يسكت عنهم سائر الصحابة وهم يعلمون تحريمه فقد كانوا ينكرون على بعضهم بعضا ما هو أخف من هذا . علي بن زيد بن جدعان
وقد اختلفوا في فذهب الأكثر إلى التحريم ، قالوا : لأن قوله " على ذكور أمتي " كما في الحديث الآتي يعمهم . ولحديث [ ص: 98 ] الصغار أيضا هل يحرم إلباسهم الحرير أم لا ؟ عند ثوبان أبي داود { ، فوجدها قد علقت سترا على بابها وحلت الحسنين بقلبين من فضة فتقدم فلم يدخل عليها فظنت أنه إنما منعه أن يدخل ما رأى فهتكت الستر وفكت القلبين عن الصبيين فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكيان فأخذه منهما وقال : يا فاطمة اذهب بهذا إلى آل فلان ثوبان } الحديث . وهذا وإن كان واردا في الحلية ولكنه مشعر بأن حكمهم حكم المكلفين فيها فيكون حكمهم في لبس الحرير كذلك . أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من غزاة ، وكان لا يقدم إلا بدأ حين يقدم ببيت
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن في آخر الحديث ما يشعر بعدم التحريم فإنه قال : { نحن أهل بيت لا نستغرق طيباتنا في حياتنا الدنيا } أو كما قال . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } والصغار غير مكلفين إنما التكليف على الكبار ، وقد روي أن عليكم بالفضة فالعبوا بها كيف شئتم إسماعيل بن عبد الرحمن دخل على وعليه قميص من حرير وسواران من ذهب فشق القميص وفك السوارين ، وقال : اذهب إلى أمك . وقال عمر : إنه يجوز إلباسهم الحرير ، وقال أصحاب محمد بن الحسن : يجوز في يوم العيد ; لأنه لا تكليف عليهم وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه : أصحها جوازه ، والثاني تحريمه ، والثالث يحرم بعد سن التمييز . واختلفوا في المقدار الذي يستثنى من الحرير للرجال وسيأتي الكلام عليه . الشافعي
546 - ( وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } . رواه أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها أحمد والنسائي والترمذي وصححه ) . الحديث أيضا أخرجه أبو داود وصححه والحاكم ، وفي إسناده والطبراني عن سعيد بن أبي هند أبي موسى ، قال أبو حاتم : إنه لم يلقه ، وقال في العلل : لم يسمع الدارقطني من سعيد بن أبي هند أبي موسى .
وقال في صحيحه : حديث ابن حبان عن سعيد بن أبي هند أبي موسى معلول لا يصح ، والحديث قد صححه الترمذي ، كما ذكره المصنف ، وصححه أيضا كما ذكر الحافظ . وقد روي من طريق ابن حزم يحيى بن سليم عن عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، ذكر ذلك ابن عمر في العلل ، قال : والصحيح عن الدارقطني عن نافع عن سعيد بن أبي هند أبي موسى . وقد اختلف فيه على فرواه نافع أيوب عن وعبيد الله بن عمر عن نافع سعيد مثله ، ورواه عبد الله بن عمر العمري عن عن نافع سعيد عن رجل عن أبي موسى .
وفي الباب عن عند علي بن أبي طالب أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ { وابن حبان } زاد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي " حل لإناثهم " وبين [ ص: 99 ] ابن ماجه الاختلاف فيه على النسائي . قال الحافظ : وهو اختلاف لا يضر ، ونقل يزيد بن أبي حبيب عبد الحق عن أنه قال : حديث حسن ، ورجاله معروفون ، وذكر علي بن المديني الاختلاف فيه على الدارقطني زيد بن أبي حبيب ، ورجح رواية النسائي عن ابن المبارك عن الليث يزيد عن ابن أبي الصعبة عن رجل من همدان يقال له أفلح عن عبد الله بن زرير عن عليه السلام قال الحافظ : الصواب علي أبو أفلح .
وقد أعله ابن القطان بجهالة حال رواته ما بين يزيد بن أبي حبيب فأما وعلي عبد الله بن زرير فقد وثقه العجلي وابن سعد ، وأما أبو أفلح فقال الحافظ : ينظر فيه ، وأما ابن أبي الصعبة فقد ذكره في الثقات واسمه ابن حبان عبد العزيز .
وفي الباب أيضا عن عند عقبة بن عامر بإسناد حسن . وعن البيهقي عند عمر البزار وفيه والطبراني عمر بن جرير البجلي ، قال : لين الحديث . وعن البزار نحو حديث عبد الله بن عمرو أبي موسى عند ابن ماجه والبزار وأبي يعلى وفي إسناده والطبراني الإفريقي وهو ضعيف . وعن عند زيد بن أرقم الطبراني والعقيلي في الضعفاء ، وفيه وابن حبان ثابت بن زيد قال : له مناكير . أحمد
وعن عند واثلة بن الأسقع وإسناده مقارب . وعن الدارقطني عند ابن عباس الدارقطني بإسناد واه ، وهذه الطرق متعاضدة بكثرتها ينجبر الضعيف الذي لم تخل منه واحدة منها . والحديث دليل للجماهير القائلين بتحريم الحرير والذهب على الرجال وتحليلهما للنساء ، وقد تقدم الخلاف في ذلك . والبزار
547 - ( وعن عليه السلام قال : { علي } متفق عليه ) . أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فبعث بها إلي فلبستها فعرفت الغضب في وجهه ، فقال : إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء .
قوله : ( أهديت إلى النبي ) أهداها له ملك أيلة وهو مشرك .
قوله : ( حلة ) الحلة على ما في القاموس وغيره من كتب اللغة : إزار ورداء ، ولا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة ، وهي بضم الحاء .
قوله : ( سيراء ) بكسر السين المهملة بعدها مثناة تحتية ثم راء مهملة ثم ألف ممدودة قال في القاموس : كعنباء ، نوع من البرود فيه خطوط صفر أو يخالطه حرير والذهب الخالص ا هـ .
قال : هي برود مضلعة بالقز ، وكذا قال الخطابي الخليل والأصمعي وأبو داود . وقال آخرون : إنها شبهت خطوطها بالسيور . وقيل : هي مختلفة الألوان قاله الأزهري ، وقيل : هي وشي من حرير قاله ، وقيل : هي حرير محض . وقال مالك : إنها ضرب من البرود . وقال ابن سيده : إنها ما كان فيه خطوط صفر ، وقيل : ما يعمل من القز . وقيل : ما يعمل من ثياب الجوهري اليمن ، وقد روي تنوين [ ص: 100 ] الحلة وإضافتها والمحققون على الإضافة . قال : كذا قيد عمن يوثق بعلمه . فهو على هذا من باب إضافة الشيء إلى صفته ، على أن القرطبي قال : لم يأت فعلاء صفة . سيبويه
قوله : ( خمرا ) جمع خمار . وقوله : ( بين النساء ) زاد في رواية " فشققته بين نسائي " وفي رواية " بين الفواطم " وهن ثلاث صلى الله عليه وسلم : فاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت أسد أم ، علي وفاطمة بنت حمزة ، وذكر عبد الغني أن الفواطم أربع ، والرابعة وابن عبد البر فاطمة بنت شيبة بن ربيعة ، كذا قاله عياض وابن رسلان . والحديث يدل على المنع من لبس الثوب المشوب بالحرير إن كانت السيراء تطلق على المخلوط بالحرير ، وإن لم يكن خالصا كما هو المشهور عند أئمة اللغة ، وإن كانت الحرير الخالص كما قاله البعض فلا إشكال . وقد رجح بعضهم أنه الخالص لحديث { ابن عباس } وسيأتي وستعرف ما هو الحق في المقدار الذي يحل من المشوب . ويدل الحديث أيضا على حل الحرير للنساء وقد تقدم الكلام على ذلك . أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الثوب المصمت
548 - ( وعن أنه رأى على أنس بن مالك أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم برد حلة سيراء . رواه البخاري والنسائي وأبو داود ) .
قوله : ( أم كلثوم ) هي بنت تزوجها خديجة بنت خويلد عثمان بعد . رقية
قوله : ( برد حلة ) الإضافة في رواية . وفي رواية البخاري أبي داود برد سيراء بالتنوين . والحديث من أدلة جواز الحرير للنساء إن فرض إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وتقريره ، وقد تقدم مخالفة في ذلك . . ابن الزبير