(
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=42إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=44ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم [ ص: 153 ] nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=46وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل )
قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=42إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=44ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=46وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل )
اعلم أنه تعالى لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=39والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) [الشورى : 39] - أردفه بما يدل على أن ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيدا بالمثل ، فإن النقصان حيف والزيادة ظلم والتساوي هو العدل ، وبه قامت السماوات والأرض ، فلهذا السبب قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : لقائل أن يقول جزاء السيئة مشروع مأذون فيه ، فكيف سمي بالسيئة ؟ أجاب صاحب "الكشاف" عنه : كلتا الفعلتين ، الأولى وجزاؤها - سيئة ؛ لأنها تسوء من تنزل به ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ) [النساء : 78] يريد ما يسوءهم من المصائب والبلايا ، وأجاب غيره بأنه لما جعل أحدهما في مقابلة الآخر على سبيل المجاز أطلق اسم أحدهما على الآخر ، والحق ما ذكره صاحب "الكشاف" .
والمسألة الثانية : هذه الآية أصل كبير في علم الفقه ، فإن مقتضاها أن
nindex.php?page=treesubj&link=30531تقابل كل جناية بمثلها وذلك لأن الإهدار يوجب فتح باب الشر والعدوان ، لأن في طبع كل أحد الظلم والبغي والعدوان ، فإذا لم يزجر عنه أقدم عليه ولم يتركه ، وأما الزيادة على قدر الذنب فهو ظلم ، والشرع منزه عنه ، فلم يبق إلا أن يقابل بالمثل ، ثم تأكد هذا النص بنصوص أخر ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) [النحل : 126] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=40من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ) [غافر : 40] وقوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كتب عليكم القصاص في القتلى ) [البقرة : 178] والقصاص عبارة عن المساواة والمماثلة ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45والجروح قصاص ) [المائدة : 45] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179ولكم في القصاص حياة ) [البقرة : 179] فهذه النصوص بأسرها تقتضي مقابلة الشيء بمثله . ثم ههنا دقيقة : وهي أنه إذا لم يمكن استيفاء الحق إلا باستيفاء الزيادة فههنا وقع التعارض بين إلحاق زيادة الضرر بالجاني وبين منع المجني عليه من استيفاء حقه ، فأيهما أولى ؟ فههنا محل اجتهاد المجتهدين ، ويختلف ذلك باختلاف الصور ، وتفرع على هذا الأصل بعض المسائل تنبيها على الباقي .
المثال الأول : احتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - على أن المسلم لا يقتل بالذمي وأن الحر لا يقتل بالعبد بأن قال :
nindex.php?page=treesubj&link=9162المماثلة شرط لجريان القصاص ، وهي مفقودة في هاتين المسألتين ، فوجب أن لا يجري القصاص
[ ص: 154 ] بينهما ، أما بيان أن المماثلة شرط لجريان القصاص - فهي النصوص المذكورة ، وكيفية الاستدلال بها أن نقول : إما أن نحمل المماثلة المذكورة في هذه النصوص على المماثلة في كل الأمور إلا ما خصه الدليل ، أو نحملها على المماثلة في أمر معين ، والثاني مرجوح ؛ لأن ذلك الأمر المعين غير مذكور في الآية ، فلو حملنا الآية عليها لزم الإجمال ، ولو حملنا النص على القسم الأول لزم تحمل التخصيص ، ومعلوم أن دفع الإجمال أولى من دفع التخصيص ، فثبت أن الآية تقتضي رعاية المماثلة في كل الأمور إلا ما خصه دليل العقل ودليل نقلي منفصل ، وإذا ثبت هذا فنقول : رعاية المماثلة في
nindex.php?page=treesubj&link=9163قتل المسلم بالذمي وفي
nindex.php?page=treesubj&link=9162قتل الحر بالعبد - لا تمكن ؛ لأن الإسلام اعتبره الشرع في إيجاب القتل ، لتحصيله عند عدمه ؛ كما في حق الكافر الأصلي ، ولإبقائه عند وجوده كما في حق المرتد ، وأيضا الحرية صفة اعتبرها الشرع في حق القضاء والإمامة والشهادة ، فثبت أن المماثلة شرط لجريان القصاص ، وهي مفقودة ههنا ، فوجب المنع من القصاص .
المثال الثاني : احتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - في أن
nindex.php?page=treesubj&link=9164الأيدي تقطع باليد الواحدة ، فقال : لا شك أنه إذا صدر كل القطع أو بعضه عن كل أولئك القاطعين أو عن بعضهم فوجب أن يشرع في حق أولئك القاطعين مثله لهذه النصوص ، وكل من قال يشرع القطع إما كله أو بعضه في حق كلهم أو بعضهم قال بإيجابه على الكل ، بقي أن يقال : فيلزم منه استيفاء الزيادة من الجاني ، وهو ممنوع منه إلا أنا نقول : لما وقع التعارض بين جانب الجاني وبين جانب المجني عليه كان جانب المجني عليه بالرعاية أولى .
المثال الثالث : شريك الأب شرع في حقه القصاص ، والدليل عليه أنه صدر عنه الجرح ، فوجب أن يقابل بمثله لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45والجروح قصاص ) وإذا ثبت هذا ثبت تمام القصاص لأنه لا قائل بالفرق .
المثال الرابع : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله تعالى عنه - : من حرق حرقناه ، ومن غرق غرقناه ، والدليل عليه : هذه النصوص الدالة على مقابلة كل شيء بمماثله .
المثال الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=10261_16118شهود القصاص إذا رجعوا وقالوا تعمدنا الكذب يلزمهم القصاص لأنهم بتلك الشهادة أهدروا دمه ، فوجب أن يصير دمهم مهدرا لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) .
المثال السادس : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - : المكره يجب عليه القود لأنه صدر عنه القتل ظلما ، فوجب أن يجب عليه مثله ، أما أنه صدر عنه القتل فالحس يدل عليه ، وأما أنه قتل ظلما ، فلأن المسلمين أجمعوا على أنه مكلف من قبل الله تعالى بأن لا يقتل ، وأجمعوا على أنه يستحق به الإثم العظيم والعقاب الشديد ، وإذا ثبت هذا فوجب أن يقابل بمثله لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) .
المثال السابع : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - القتل بالمثقل يوجب القود ، والدليل عليه : أن الجاني أبطل حياته ، فوجب أن يتمكن ولي المقتول من إبطال حياة القاتل لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) .
المثال الثامن :
nindex.php?page=treesubj&link=9162الحر لا يقتل بالعبد قصاصا ، ونحن وإن ذكرنا هذه المسألة في المثال الأول إلا أنا نذكر ههنا وجها آخر من البيان ، فنقول : إن القاتل أتلف على مالك العبد شيئا يساوي عشرة دنانير مثلا ، فوجب عليه أداء عشرة دنانير ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وإذا وجب الضمان وجب أن لا يجب القصاص ؛ لأنه لا قائل بالفرق .
[ ص: 155 ] المثال التاسع :
nindex.php?page=treesubj&link=10743_10741منافع الغصب مضمونة عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - والدليل عليه أن الغاصب فوت على المالك منافع تقابل في العرف بدينار ، فوجب أن يفوت على الغاصب مثله من المال ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وكل من أوجب تفويت هذا القدر على الغاصب قال بأنه يجب أداؤه إلى المغصوب منه .
المثال العاشر : الحر لا يقتل بالعبد قصاصا ؛ لأنه لو قتل بالعبد لكان هو مساويا للعبد في المعاني الموجبة للقصاص ؛ لقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=40من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ) [غافر : 40] ولسائر النصوص التي تلوناها ، ثم إن عبده يقتل قصاصا بعبد نفسه فيجب أن يكون عبد غيره مساويا لعبد نفسه في المعاني الموجبة للقصاص لعين هذه النصوص التي ذكرناها ، فعلى هذا التقدير يكون عبد نفسه مساويا لعبد غيره في المعاني الموجبة للقصاص ، فكان عبد نفسه مثلا لمثل نفسه ، ومثل المثل مثل ، فوجب كون عبد نفسه مثلا لنفسه في المعاني الموجبة للقصاص ، ولو قتل الحر بعبد غيره لقتل نفسه بالبيان الذي ذكرناه ، ولا يقتل بعبد نفسه ، فوجب أن لا يقتل بعبد غيره ، فقد ذكرنا هذه الأمثلة العشرة في التفريع على هذه الآية ، ومن أخذت الفطانة بيده سهل عليه تفريع كثير من مسائل الشريعة على هذا الأصل ، والله أعلم .
ثم ههنا بحث ، وهو أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة - رضي الله عنه - قال في قطع الأيدي : لا شك أنه صدر كل القطع أو بعضه عن كلهم أو عن بعضهم إلا أنه لا يمكن استيفاء ذلك الحق إلا باستيفاء الزيادة لأن تفويت عشرة من الأيدي أزيد من تفويت يد واحدة ، فوجب أن يبقى على أصل الحرمة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - : لو كان تفويت عشرة من الأيدي في مقابلة يد واحدة حراما لكان تفويت عشرة من النفوس في مقابلة نفس واحدة حراما ، لأن تفويت النفس يشتمل على تفويت اليد فتفويت عشرة من النفوس في مقابلة النفس الواحدة يوجب تفويت عشرة من الأيدي في مقابلة اليد الواحدة فلو كان تفويت عشرة من الأيدي في مقابلة اليد الواحدة حراما لكان تفويت عشرة من النفوس لأجل النفس الواحدة مشتملا على الحرام ، وكل ما اشتمل على الحرام فهو حرام ، فكان يجب أن يحرم قتل النفوس العشرة في مقابلة النفس الواحدة ، وحيث أجمعنا على أنه لا يحرم علمنا أن ما ذكرتم من استيفاء الزيادة غير ممنوع منه شرعا ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : قد بينا أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها ) يقتضي وجوب رعاية المماثلة مطلقا في كل الأحوال إلا فيما خصه الدليل ، والفقهاء أدخلوا التخصيص فيه في صور كثيرة ، فتارة بناء على نص آخر أخس منه وأخرى بناء على القياس ، ولا شك أن من ادعى التخصيص فعليه البيان ، والمكلف يكفيه أن يتمسك بهذا النص في جميع المطالب ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد والسدي : إذا قال له أخزاه الله ، فليقل له أخزاه الله ، أما إذا قذفه قذفا يوجب الحد فليس له ذلك ، بل الحد الذي أمر الله به .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فمن عفا وأصلح ) بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) [فصلت : 34] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فأجره على الله ) وهو وعد مبهم لا يقاس أمره في التعظيم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40إنه لا يحب الظالمين ) وفيه قولان :
الأول : أن المقصود منه التنبيه على أن المجني عليه لا يجوز له استيفاء الزيادة من الظالم ؛ لأن الظالم فيما وراء ظلمه معصوم ، والانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز التسوية والتعدي ؛ خصوصا في حال الحرب والتهاب الحمية ، فربما صار المظلوم عند الإقدام على استيفاء القصاص ظالما ، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
إذا كان يوم القيامة نادى مناد : من كان له على الله أجر فليقم ، قال : [ ص: 156 ] فيقوم خلق فيقال لهم : ما أجركم على الله ؟ فيقولون : نحن الذين عفونا عمن ظلمنا ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة بإذن الله تعالى " .
الثاني : أنه تعالى لما حث على
nindex.php?page=treesubj&link=20043العفو عن الظالم أخبر أنه مع ذلك لا يحبه تنبيها على أنه إذا كان لا يحبه ومع ذلك فإنه يندب على عفوه ، فالمؤمن الذي هو حبيب الله بسبب إيمانه أولى أن يعفو عنه .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41ولمن انتصر بعد ظلمه ) أي ظلم الظالم إياه ، وهذا من باب إضافة المصدر إلى المفعول ( فأولئك ) يعني المنتصرين (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41ما عليهم من سبيل ) كعقوبة ومؤاخذة لأنهم أتوا بما أبيح لهم من الانتصار . واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله تعالى عنه بهذه الآية في بيان أن سراية القود مهدرة ، فقال : الشرع إما أن يقال إنه أذن له في القطع مطلقا أو بشرط أن لا يحصل منه السريان ، وهذا الثاني باطل ؛ لأن الأصل في القطع الحرمة ، فإذا كان تجويزه معلقا بشرط عدم السريان ، وكان هذا الشرط مجهولا وجب أن يبقى ذلك القطع على أصل الحرمة ، لأن الأصل فيها هو الحرمة ، والحل إنما يحصل معلقا على شرط مجهول ، فوجب أن يبقى ذلك على أصل الحرمة ، وحيث لم يكن كذلك علمنا أن الشرع أذن له في القطع كيف كان ، سواء سرى أو لم يسر ، وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون ذلك السريان مضمونا ؛ لأنه قد انتصر من بعد ظلمه ، فوجب أن لا يحصل لأحد عليه سبيل .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=42إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ) أي يبدءون بالظلم (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=42ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) والمعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43ولمن صبر ) بأن لا يقتص (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43وغفر ) وتجاوز (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186فإن ذلك ) الصبر والتجاوز (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186من عزم الأمور ) يعني أن عزمه على ترك الانتصار لمن عزم الأمور الجيدة ، وحذف الراجع لأنه مفهوم كما حذف من قولهم السمن منوان بدرهم ، ويحكى أن رجلا سب رجلا في مجلس
الحسن ، فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق ، ثم قام وتلا هذه الآية ، فقال
الحسن : عقلها والله ، وفهمها لما ضيعها الجاهلون .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=44ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ) أي : فليس له من ناصر يتولاه من بعد خذلانه أي من بعد إضلال الله إياه ، وهذا صريح في جواز الإضلال من الله تعالى ، وفي أن
nindex.php?page=treesubj&link=33679الهداية ليست في مقدور أحد سوى الله تعالى ، قال القاضي : المراد : من يضلل الله عن الجنة فما له من ولي من بعده ينصره ، والجواب : أن تقييد الإضلال بهذه الصورة المعينة خلاف الدليل ، وأيضا فالله تعالى ما أضله عن الجنة على قولكم ، بل هو أضل نفسه عن الجنة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=44وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل ) والمراد أنهم يطلبون الرجوع إلى الدنيا لعظم ما يشاهدون من العذاب ، ثم ذكر حالهم عند عرض النار عليهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ) أي حال كونهم خاشعين حقيرين مهانين بسبب ما لحقهم من الذل ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45ينظرون من طرف خفي ) أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفي بمسارقة ؛ كما ترى الذي يتيقن أن يقتل فإنه ينظر إلى السيف كأنه لا يقدر على أن يفتح أجفانه عليه ويملأ عينيه منه كما يفعل في نظره إلى المحبوبات ، فإن قيل : أليس أنه تعالى قال في
nindex.php?page=treesubj&link=30351صفة الكفار : إنهم يحشرون عميا ، فكيف قال ههنا : إنهم ينظرون من طرف خفي ؟ قلنا : لعلهم يكونون في الابتداء هكذا ، ثم يجعلون عميا ، أو لعل هذا في قوم ، وذلك
[ ص: 157 ] في قوم آخرين ، ولما وصف الله تعالى حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) قال صاحب "الكشاف" : " يوم القيامة " إما أن يتعلق بـ " خسروا" أو يكون قول المؤمنين واقعا في الدنيا ، وإما أن يتعلق بـ " قال " أي : يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ) أي دائم ، قال القاضي : وهذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30443الكافر والفاسق يدوم عذابهما ، والجواب : أن لفظ الظالم المطلق في القرآن مخصوص بالكافر ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=254والكافرون هم الظالمون ) والذي يؤكد هذا أنه تعالى قال بعده هذه الآية (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=46وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ) والمعنى أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لأجل أن تشفع لهم عند الله تعالى ما أتوا بتلك الشفاعة ، ومعلوم أن هذا لا يليق إلا بالكفار ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=46ومن يضلل الله فما له من سبيل ) وذلك يدل على أن المضل والهادي هو الله تعالى على ما هو قولنا ومذهبنا ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=42إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=44وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ [ ص: 153 ] nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=46وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ )
قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=42إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=44وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=46وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=39وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) [الشُّورَى : 39] - أَرْدَفَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِانْتِصَارَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِالْمِثْلِ ، فَإِنَّ النُّقْصَانَ حَيْفٌ وَالزِّيَادَةَ ظُلْمٌ وَالتَّسَاوِيَ هُوَ الْعَدْلُ ، وَبِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ جَزَاءُ السَّيِّئَةِ مَشْرُوعٌ مَأْذُونٌ فِيهِ ، فَكَيْفَ سُمِّيَ بِالسَّيِّئَةِ ؟ أَجَابَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" عَنْهُ : كِلْتَا الْفِعْلَتَيْنِ ، الْأُولَى وَجَزَاؤُهَا - سَيِّئَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَسُوءُ مَنْ تَنْزِلُ بِهِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ) [النِّسَاءِ : 78] يُرِيدُ مَا يَسُوءُهُمْ مِنَ الْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ أَحَدَهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ أُطْلِقَ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" .
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30531تُقَابَلَ كُلُّ جِنَايَةٍ بِمِثْلِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِهْدَارَ يُوجِبُ فَتْحَ بَابِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ ، لِأَنَّ فِي طَبْعِ كُلِّ أَحَدٍ الظُّلْمَ وَالْبَغْيَ وَالْعُدْوَانَ ، فَإِذَا لَمْ يُزْجَرْ عَنْهُ أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الذَّنْبِ فَهُوَ ظُلْمٌ ، وَالشَّرْعُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُقَابَلَ بِالْمِثْلِ ، ثُمَّ تَأَكَّدَ هَذَا النَّصُّ بِنُصُوصٍ أُخَرَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) [النَّحْلِ : 126] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=40مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ) [غَافِرٍ : 40] وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=178كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) [الْبَقَرَةِ : 178] وَالْقِصَاصُ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ) [الْمَائِدَةِ : 45] وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=179وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) [الْبَقَرَةِ : 179] فَهَذِهِ النُّصُوصُ بِأَسْرِهَا تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ . ثُمَّ هَهُنَا دَقِيقَةٌ : وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ إِلَّا بِاسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ فَهَهُنَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ إِلْحَاقِ زِيَادَةِ الضَّرَرِ بِالْجَانِي وَبَيْنَ مَنْعِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنِ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ، فَأَيُّهُمَا أَوْلَى ؟ فَهَهُنَا مَحَلُّ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ ، وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بَعْضُ الْمَسَائِلِ تَنْبِيهًا عَلَى الْبَاقِي .
الْمِثَالُ الْأَوَّلُ : احْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَأَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ بِأَنْ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=9162الْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ لِجَرَيَانِ الْقِصَاصِ ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجْرِيَ الْقِصَاصُ
[ ص: 154 ] بَيْنَهُمَا ، أَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِجَرَيَانِ الْقِصَاصِ - فَهِيَ النُّصُوصُ الْمَذْكُورَةُ ، وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنْ نَقُولَ : إِمَّا أَنْ نَحْمِلَ الْمُمَاثَلَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ، أَوْ نَحْمِلَهَا عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي أَمْرٍ مُعَيَّنٍ ، وَالثَّانِي مَرْجُوحٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْمُعَيَّنَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْآيَةِ ، فَلَوْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَيْهَا لَزِمَ الْإِجْمَالُ ، وَلَوْ حَمَلْنَا النَّصَّ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَزِمَ تَحَمُّلُ التَّخْصِيصِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ دَفْعَ الْإِجْمَالِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ التَّخْصِيصِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي رِعَايَةَ الْمُمَاثَلَةِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ إِلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلُ الْعَقْلِ وَدَلِيلٌ نَقْلِيٌّ مُنْفَصِلٌ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=9163قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=9162قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ - لَا تُمْكِنُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فِي إِيجَابِ الْقَتْلِ ، لِتَحْصِيلِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ ؛ كَمَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ ، وَلِإِبْقَائِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ ، وَأَيْضًا الْحُرِّيَّةُ صِفَةٌ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ وَالْإِمَامَةِ وَالشَّهَادَةِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِجَرَيَانِ الْقِصَاصِ ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هَهُنَا ، فَوَجَبَ الْمَنْعُ مِنَ الْقِصَاصِ .
الْمِثَالُ الثَّانِي : احْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=9164الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ ، فَقَالَ : لَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا صَدَرَ كُلُّ الْقَطْعِ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ كُلِّ أُولَئِكَ الْقَاطِعِينَ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ فَوَجَبَ أَنْ يُشْرَعَ فِي حَقِّ أُولَئِكَ الْقَاطِعِينَ مِثْلَهُ لِهَذِهِ النُّصُوصِ ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ يُشْرَعُ الْقَطْعُ إِمَّا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فِي حَقِّ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ قَالَ بِإِيجَابِهِ عَلَى الْكُلِّ ، بَقِيَ أَنْ يُقَالَ : فَيَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِيفَاءُ الزِّيَادَةِ مِنَ الْجَانِي ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إِلَّا أَنَّا نَقُولُ : لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ جَانِبِ الْجَانِي وَبَيْنَ جَانِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَانَ جَانِبُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالرِّعَايَةِ أَوْلَى .
الْمِثَالُ الثَّالِثُ : شَرِيكُ الْأَبِ شُرِعَ فِي حَقِّهِ الْقِصَاصُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ الْجَرْحُ ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَابَلَ بِمِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ) وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ثَبَتَ تَمَامُ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ .
الْمِثَالُ الرَّابِعُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - : مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ ، وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : هَذِهِ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى مُقَابَلَةِ كُلِّ شَيْءٍ بِمُمَاثِلِهِ .
الْمِثَالُ الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=10261_16118شُهُودُ الْقِصَاصِ إِذَا رَجَعُوا وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ يَلْزَمُهُمُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُمْ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ أَهْدَرُوا دَمَهُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ دَمُهُمْ مُهْدَرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) .
الْمِثَالُ السَّادِسُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : الْمُكْرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ الْقَتْلُ ظُلْمًا ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ ، أَمَّا أَنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ الْقَتْلُ فَالْحِسُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا أَنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا ، فَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ لَا يَقْتُلَ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْإِثْمَ الْعَظِيمَ وَالْعِقَابَ الشَّدِيدَ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَوَجَبَ أَنْ يُقَابَلَ بِمِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) .
الْمِثَالُ السَّابِعُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَتْلُ بِالْمُثَقَّلِ يُوجِبُ الْقَوَدَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : أَنَّ الْجَانِيَ أَبْطَلَ حَيَاتَهُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَمَكَّنَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ مِنْ إِبْطَالِ حَيَاةِ الْقَاتِلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) .
الْمِثَالُ الثَّامِنُ :
nindex.php?page=treesubj&link=9162الْحُرُّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا ، وَنَحْنُ وَإِنْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّا نَذْكُرُ هَهُنَا وَجْهًا آخَرَ مِنَ الْبَيَانِ ، فَنَقُولُ : إِنَّ الْقَاتِلَ أَتْلَفَ عَلَى مَالِكِ الْعَبْدِ شَيْئًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) وَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ .
[ ص: 155 ] الْمِثَالُ التَّاسِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=10743_10741مَنَافِعُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَاصِبَ فَوَّتَ عَلَى الْمَالِكِ مَنَافِعَ تُقَابَلُ فِي الْعُرْفِ بِدِينَارٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يُفَوِّتَ عَلَى الْغَاصِبِ مِثْلَهُ مِنَ الْمَالِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ تَفْوِيتَ هَذَا الْقَدْرِ عَلَى الْغَاصِبِ قَالَ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ .
الْمِثَالُ الْعَاشِرُ : الْحُرُّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِالْعَبْدِ لَكَانَ هُوَ مُسَاوِيًا لِلْعَبْدِ فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ ؛ لِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=40مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ) [غَافِرٍ : 40] وَلِسَائِرِ النُّصُوصِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا بِعَبْدِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ غَيْرِهِ مُسَاوِيًا لَعَبْدِ نَفْسِهِ فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ لِعَيْنِ هَذِهِ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ عَبْدُ نَفْسِهِ مُسَاوِيًا لَعَبْدِ غَيْرِهِ فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ ، فَكَانَ عَبْدُ نَفْسِهِ مِثْلًا لِمِثْلِ نَفْسِهِ ، وَمِثْلُ الْمِثْلِ مِثْلٌ ، فَوَجَبَ كَوْنُ عَبْدِ نَفْسِهِ مِثْلًا لِنَفْسِهِ فِي الْمَعَانِي الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ ، وَلَوْ قُتِلَ الْحُرُّ بِعَبْدِ غَيْرِهِ لَقَتَلَ نَفْسَهُ بِالْبَيَانِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَلَا يُقْتَلُ بِعَبْدِ نَفْسِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ ، فَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ الْعَشَرَةَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ ، وَمَنْ أَخَذَتِ الْفَطَانَةُ بِيَدِهِ سَهُلَ عَلَيْهِ تَفْرِيعُ كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الشَّرِيعَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ هَهُنَا بَحْثٌ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي قَطْعِ الْأَيْدِي : لَا شَكَّ أَنَّهُ صَدَرَ كُلُّ الْقَطْعِ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ كُلِّهِمْ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ الْحَقِّ إِلَّا بِاسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ تَفْوِيتَ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَيْدِي أَزْيَدُ مِنْ تَفْوِيتِ يَدٍ وَاحِدَةٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : لَوْ كَانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَيْدِي فِي مُقَابَلَةِ يَدٍ وَاحِدَةٍ حَرَامًا لَكَانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ النُّفُوسِ فِي مُقَابَلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ حَرَامًا ، لِأَنَّ تَفْوِيتَ النَّفْسِ يَشْتَمِلُ عَلَى تَفْوِيتِ الْيَدِ فَتَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ النُّفُوسِ فِي مُقَابَلَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ يُوجِبُ تَفْوِيتَ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَيْدِي فِي مُقَابَلَةِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ فَلَوْ كَانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ الْأَيْدِي فِي مُقَابَلَةِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ حَرَامًا لَكَانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ النُّفُوسِ لِأَجْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَرَامِ ، وَكُلُّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْحَرَامِ فَهُوَ حَرَامٌ ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَحْرُمَ قَتْلُ النُّفُوسِ الْعَشَرَةِ فِي مُقَابَلَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ ، وَحَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلِمْنَا أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنِ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ شَرْعًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) يَقْتَضِي وُجُوبَ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ مُطْلَقًا فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِيمَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ، وَالْفُقَهَاءُ أَدْخَلُوا التَّخْصِيصَ فِيهِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ ، فَتَارَةً بِنَاءً عَلَى نَصٍّ آخَرَ أَخَسَّ مِنْهُ وَأُخْرَى بِنَاءً عَلَى الْقِيَاسِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنِ ادَّعَى التَّخْصِيصَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ ، وَالْمُكَلَّفُ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهَذَا النَّصِّ فِي جَمِيعِ الْمَطَالِبِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ : إِذَا قَالَ لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ ، فَلْيَقُلْ لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ ، أَمَّا إِذَا قَذَفَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، بَلِ الْحَدُّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ بِالْعَفْوِ وَالْإِغْضَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) [فُصِّلَتْ : 34] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) وَهُوَ وَعْدٌ مُبْهَمٌ لَا يُقَاسُ أَمْرُهُ فِي التَّعْظِيمِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) وَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِيفَاءُ الزِّيَادَةِ مِنَ الظَّالِمِ ؛ لِأَنَّ الظَّالِمَ فِيمَا وَرَاءَ ظُلْمِهِ مَعْصُومٌ ، وَالِانْتِصَارُ لَا يَكَادُ يَؤْمَنُ فِيهِ تَجَاوُزُ التَّسْوِيَةِ وَالتَّعَدِّي ؛ خُصُوصًا فِي حَالِ الْحَرْبِ وَالْتِهَابِ الْحَمِيَّةِ ، فَرُبَّمَا صَارَ الْمَظْلُومُ عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ظَالِمًا ، وَعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ : مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ أَجْرٌ فَلْيَقُمْ ، قَالَ : [ ص: 156 ] فَيَقُومُ خُلُقٌ فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا أَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ ؟ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ الَّذِينَ عَفَوْنَا عَمَّنْ ظَلَمَنَا ، فَيُقَالُ لَهُمُ : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى " .
الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَثَّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=20043الْعَفْوِ عَنِ الظَّالِمِ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يُحِبُّهُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يُحِبُّهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ عَلَى عَفْوِهِ ، فَالْمُؤْمِنُ الَّذِي هُوَ حَبِيبُ اللَّهِ بِسَبَبِ إِيمَانِهِ أَوْلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ) أَيْ ظُلْمِ الظَّالِمِ إِيَّاهُ ، وَهَذَا مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ ( فَأُولَئِكَ ) يَعْنِي الْمُنْتَصِرِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) كَعُقُوبَةٍ وَمُؤَاخَذَةٍ لِأَنَّهُمْ أَتَوْا بِمَا أُبِيحَ لَهُمْ مِنَ الِانْتِصَارِ . وَاحْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي بَيَانِ أَنَّ سِرَايَةَ الْقَوَدِ مُهْدَرَةٌ ، فَقَالَ : الشَّرْعُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَطْعِ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ السَّرَيَانُ ، وَهَذَا الثَّانِي بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَطْعِ الْحُرْمَةُ ، فَإِذَا كَانَ تَجْوِيزُهُ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ عَدَمِ السَّرَيَانِ ، وَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ مَجْهُولًا وَجَبَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الْقَطْعُ عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا هُوَ الْحُرْمَةُ ، وَالْحِلُّ إِنَّمَا يَحْصُلُ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ مَجْهُولٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَطْعِ كَيْفَ كَانَ ، سَوَاءٌ سَرَى أَوْ لَمْ يَسْرِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ السَّرَيَانُ مَضْمُونًا ؛ لِأَنَّهُ قَدِ انْتَصَرَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْصُلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ سَبِيلٌ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=42إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ) أَيْ يَبْدَءُونَ بِالظُّلْمِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=42وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) وَالْمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43وَلَمَنْ صَبَرَ ) بِأَنْ لَا يَقْتَصَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=43وَغَفَرَ ) وَتَجَاوَزَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186فَإِنَّ ذَلِكَ ) الصَّبْرَ وَالتَّجَاوُزَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) يَعْنِي أَنَّ عَزْمَهُ عَلَى تَرْكِ الِانْتِصَارِ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الْجَيِّدَةِ ، وَحُذِفَ الرَّاجِعُ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ كَمَا حُذِفَ مِنْ قَوْلِهِمُ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ ، وَيُحْكَى أَنَّ رَجُلًا سَبَّ رَجُلًا فِي مَجْلِسِ
الْحَسَنِ ، فَكَانَ الْمَسْبُوبُ يَكْظِمُ وَيَعْرَقُ فَيَمْسَحُ الْعَرَقَ ، ثُمَّ قَامَ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ، فَقَالَ
الْحَسَنُ : عَقَلَهَا وَاللَّهِ ، وَفَهِمَهَا لَمَّا ضَيَّعَهَا الْجَاهِلُونَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=44وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ ) أَيْ : فَلَيْسَ لَهُ مِنْ نَاصَرٍ يَتَوَلَّاهُ مِنْ بَعْدِ خِذْلَانِهِ أَيْ مِنْ بَعْدِ إِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْإِضْلَالِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33679الْهِدَايَةَ لَيْسَتْ فِي مَقْدُورِ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ الْقَاضِي : الْمُرَادُ : مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عَنِ الْجَنَّةِ فَمَا لَهُ مَنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ يَنْصُرُهُ ، وَالْجَوَابُ : أَنَّ تَقْيِيدَ الْإِضْلَالِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ خِلَافُ الدَّلِيلِ ، وَأَيْضًا فَاللَّهُ تَعَالَى مَا أَضَلَّهُ عَنِ الْجَنَّةِ عَلَى قَوْلِكُمْ ، بَلْ هُوَ أَضَلَّ نَفْسَهُ عَنِ الْجَنَّةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=44وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ) وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ الرُّجُوعَ إِلَى الدُّنْيَا لِعِظَمِ مَا يُشَاهِدُونَ مِنَ الْعَذَابِ ، ثُمَّ ذَكَرَ حَالَهُمْ عِنْدَ عَرْضِ النَّارِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِمْ خَاشِعِينَ حَقِيرِينَ مُهَانِينَ بِسَبَبِ مَا لَحِقَهُمْ مِنَ الذُّلِّ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) أَيْ يَبْتَدِئُ نَظَرُهُمْ مِنْ تَحْرِيكٍ لِأَجْفَانِهِمْ ضَعِيفٍ خَفِيٍّ بِمُسَارَقَةٍ ؛ كَمَا تَرَى الَّذِي يَتَيَقَّنُ أَنْ يُقْتَلَ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى السَّيْفِ كَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفْتَحَ أَجْفَانَهُ عَلَيْهِ وَيَمْلَأَ عَيْنَيْهِ مِنْهُ كَمَا يَفْعَلُ فِي نَظَرِهِ إِلَى الْمَحْبُوبَاتِ ، فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30351صِفَةِ الْكُفَّارِ : إِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ عُمْيًا ، فَكَيْفَ قَالَ هَهُنَا : إِنَّهُمْ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ؟ قُلْنَا : لَعَلَّهُمْ يَكُونُونَ فِي الِابْتِدَاءِ هَكَذَا ، ثُمَّ يُجْعَلُونَ عُمْيًا ، أَوْ لَعَلَّ هَذَا فِي قَوْمٍ ، وَذَلِكَ
[ ص: 157 ] فِي قَوْمٍ آخَرِينَ ، وَلَمَّا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَ الْكُفَّارِ حَكَى مَا يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : " يَوْمَ الْقِيَامَةِ " إِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ " خَسِرُوا" أَوْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ وَاقِعًا فِي الدُّنْيَا ، وَإِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ " قَالَ " أَيْ : يَقُولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا رَأَوْهُمْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ) أَيْ دَائِمٍ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30443الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ يَدُومُ عَذَابُهُمَا ، وَالْجَوَابُ : أَنَّ لَفْظَ الظَّالِمِ الْمُطْلَقِ فِي الْقُرْآنِ مَخْصُوصٌ بِالْكَافِرِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=254وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَهُ هَذِهِ الْآيَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=46وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَصْنَامَ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا لِأَجْلِ أَنْ تَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَتَوْا بِتِلْكَ الشَّفَاعَةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْكُفَّارِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=46وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُضِلَّ وَالْهَادِيَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا هُوَ قَوْلُنَا وَمَذْهَبُنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .