الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب في أن افتراش الحرير كلبسه

                                                                                                                                            549 - ( عن حذيفة قال : { نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه } . رواه البخاري ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث قد تقدم الكلام عليه في باب الأواني ، وقوله : ( وأن نجلس عليه ) يدل على تحريم الجلوس على الحرير ، وإليه ذهب الجمهور ، كذا في الفتح بأنه مذهب الجمهور ، وبه قال عمر وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص ، وإليه ذهب الناصر والمؤيد بالله والإمام يحيى . وقال القاسم وأبو طالب والمنصور بالله وأبو حنيفة وأصحابه .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عباس وأنس أنه يجوز افتراش الحرير ، وبه قال ابن الماجشون ، وبعض الشافعية . واحتج لهم في [ ص: 101 ] البحر بأن الفراش موضع إهانة وبالقياس على الوسائد المحشوة بالقز ، قال : إذ لا خلاف فيها ، وهذا دليل باطل لا ينبغي التعويل عليه في مقابلة النصوص ، كحديث الباب والحديث الآتي بعده ، وقد تقرر عند أئمة الأصول وغيرهم بطلان القياس المنصوب في مقابلة النص ، وأنه فاسد الاعتبار ، وعدم حجية أقوال الصحابة لا سيما إذا خالفت الثابت عنه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            550 - ( وعن علي عليه السلام قال : { نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على المياثر ، والمياثر : قسي كانت تصنعه النساء لبعولتهن على الرحل كالقطائف من الأرجوان } رواه مسلم والنسائي ) . قد اتفق الشيخان على النهي عن المياثر من حديث البراء ، وأخرج الجماعة كلهم إلا البخاري حديث عليه السلام علي بلفظ : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسي وعن الميثرة } ، وفي رواية مياثر الأرجوان ، ولم يذكر الجلوس إلا في رواية مسلم ، ولهذا ذكره المصنف رحمه الله.

                                                                                                                                            قوله : ( على المياثر ) جمع ميثرة بكسر الميم وبالثاء المثلثة وهي مأخوذة من الوثارة وهي اللين والنعمة وياء ميثرة واو لكنها قلبت لكسر ما قبلها كميزان وميعاد ، وقد فسرها علي بما ذكره مسلم في صحيحه ، كما رواه المصنف عنه ، وكذلك فسرها البخاري في صحيحه . وقد اختلف في تفسير المياثر على أربعة أقوال . منها هذا التفسير المروي عن علي والأخذ به أولى . قوله : ( والمياثر قسي ) القسي بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة على الصحيح . قال أهل اللغة وغريب الحديث : هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس بفتح القاف موضع من بلاد مصر على ساحل البحر قريب من تنيس ، وقيل : إنها منسوبة إلى القز وهو رديء الحرير فأبدلت الزاي سينا .

                                                                                                                                            قوله : ( من الأرجوان ) هو بضم الهمزة والجيم وهو الصوف الأحمر ، كذا في شرح السنن لابن رسلان ، وقيل : الأرجوان : الحمرة ، وقيل : الشديد الحمرة ، وقيل : الصباغ الأحمر القاني . والحديث يدل على تحريم الجلوس على ما فيه حرير ، وقد خصص بعضهم بالمذهب ، فقال : إن كان حرير الميثرة أكثر أو كانت جميعها من الحرير فالنهي للتحريم ، وإلا فالنهي للتنزيه ، والاستدلال بهذا الحديث . على تحريم ذلك على الأمة مبني على أن خطابه صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب لبقية الأمة ، والحكم عليه حكم عليهم ، وفي ذلك خلاف في الأصول مشهور ، وقد ثبت في غير هذه الرواية بلفظ : " نهى " كما عرفت ، وهو دليل على عدم اختصاص ذلك بعلي عليه السلام . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية