الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                ( الباب الثاني )

                                                                                                                ( في الملتزم )

                                                                                                                وهو إما فعل أو ترك ، وكلاهما إما مندوب ، فيلزم ، أو واجب فهو على أصله لم يتغير بالنذر ، أو مكروه أو محرم فهو على أصله لقوله - عليه السلام - في البخاري : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) فخصص الوجوب بالطاعة .

                                                                                                                فتأثيره عندنا خاص بالمندوب كيف كان من جنسه ، واجبا أم لا ، وأوجب ابن حنبل في نذر المباح كفارة يمين ; لأنها عنده واجبة في نذر المعصية ، فقاس المباح بطريق الأولى ، ولأن امرأة قالت : يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف ، فقال ، عليه السلام : ( أوفي بنذرك ) إلا أنه خير بين فعل المباح ، وبين الكفارة ، وكذلك خير في نذر اللجاج [ ص: 73 ] ولم يشترط كون المنذور قربة ولا من جنسه واجب ، والجواب عن الأول : منع الحكم في الأصل ، وما ورد في قوله - عليه السلام - : ( ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ، وليكفر كفارة يمين ) فالمراد الإتيان بما يزيل الإثم من حيث الجملة ; لأن الحسنات يذهبن السيئات ، ولقوله - عليه السلام - : ( من قال : واللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله ، ومن قال : تعال أقامرك فيصدق ) وعن الثاني : إظهار المسرة له - عليه السلام - به مندوب ، وقال المتقدمون من الشافعية : لا يلزم بالنذر إلا مندوب من جنسه واجب ؛ احترازا من تجديد الوضوء ; لأنه ليس في الشرع وضوء واجب من غير حدث ، ونحو عيادة المرضى وزيارة القادم وإفشاء السلام ، وقال متأخروهم : المندوبات كلها تلزم بالنذر إلا ما يفضي إلى ترك رخصة ؛ احترازا من نذر الصوم والإتمام في السفر أو القيام في الصلاة للمريض ، والمباحات التي يتصور وقوعها قربات كالأكل ليقوى على العبادة ، وكذلك النوم .

                                                                                                                لنا : الحديث السابق ، وقال الحنفية : لا بد أن يكون من جنسه قربة واجبة ؛ كمتقدمي الشافعية ، ولم يشترطوا التعليق على الشرط خلافا لـ ( ش ) ، وقالوا : المعلق إن كان شرطه قربة وجب الوفاء به ، أو مباحا أو معصية خير بينه وبين كفارة يمين . لنا : الحديث السابق ، وهو يقتضي وجوب الطاعة على الإطلاق . وصفة العبادات كإطالة الركوع . والمباح الذي يمكن التقرب به كالنوم لقيام الليل .

                                                                                                                فرع : ، فإن التزم تحريم ما ليس بحرام كالطعام والشراب ، قال في [ ص: 74 ] ( الجلاب ) : هو حلال ولا كفارة عليه إلا أن يكون ذلك في أمة وينوي به عتقها فتعتق ، وقال ( ح ) وابن حنبل : كفارة يمين في المأكول والمشروب دون الملبوس لقوله تعالى : ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) إلى قوله : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) ( التحريم : 1 ) وقد حرم عسلا فأمره الله تعالى بالكفارة ، وجوابه ما روى ابن وهب أنه - عليه السلام - إنما حرم أم ولده ، وقياسا على الملبوس .

                                                                                                                ( تفريع ) : وفي ( الجواهر ) : إن التزم مطلق الصوم فيوم إلا أن ينوي أكثر ، أو مطلق الصلاة فركعتان ، أو مطلق الصدقة فأقل ما يتصدق به ، أو الاعتكاف فليلة ويوم ، أو الصلاة قاعدا مع القدرة على القيام قعد ، وفيه إشكال من جهة أن القعود ليس بقربة ، أو اعتكاف ليلة ، قال مالك : يلزمه يوم وليلة ; لأن العرب تعبر عن اليوم بالليلة لقوله ، عليه السلام : ( من صام رمضان وأتبعه بست من شوال ) ولم يقل بستة ، وناذر صوم نصف يوم أو بعض ركعة ، يتمهما كالمطلق نصف طلقة ، والمعتبر في النذور النية ، فإن عدمت ، فالعرف ، فإن كان للفظ مقتضيان ، ففي حمله على الأول أو على الأكثر قولان ؛ نظرا إلى أن الأصل براءة الذمة ، أو إلى الأحوط ، ومتى التزم ما ليس في ملكه ، فالمشهور لزومه إذا ملكه ، وفي ( المنتقى ) : إذا لم يعين لنذره مخرجا ، فكفارة يمين ، فإن قال : علي نذران ، فكفارتان ، والفرق بينه وبين اليمين أن موضوع اليمين للتأكيد والنذر للالتزام ، فلذلك اتحدت الأيمان وتعددت النذور ، وستأتي زيادة تقرير .

                                                                                                                وفي ( البيان ) : القائل : علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به : عليه كفارة يمين ; لأنه الوفاء بهذا النذر المطلق .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية