الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 257 ] وسئل رحمه الله عمن استأجر أرضا فلم يأتها المطر المعتاد فتلف الزرع . هل توضع الجائحة ؟

                التالي السابق


                فأجاب : أما إذا استأجر أرضا للزرع فلم يأت المطر المعتاد فله الفسخ باتفاق العلماء ; بل إن تعطلت بطلت الإجارة بلا فسخ في الأظهر .

                وأما إذا نقصت المنفعة فإنه ينقص من الأجرة بقدر ما نقصت المنفعة نص على هذا أحمد بن حنبل وغيره .

                فيقال : كم أجرة الأرض مع حصول الماء المعتاد ؟ فيقال : ألف درهم . ويقال كم أجرتها مع نقص المطر هذا النقص ؟ فيقال : خمسمائة درهم . فيحط عن المستأجر نصف الأجرة المسماة فإنه تلف بعض المنفعة المستحقة بالعقد قبل التمكن من استيفائها فهو كما لو تلف بعض المبيع قبل التمكن من قبضه .

                وكذلك لو أصاب الأرض جراد أو نار أو جائحة أتلف بعض الزرع فإنه ينقص من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة .

                وأما ما تلف من الزرع فهو من ضمان مالكه لا يضمنه له رب [ ص: 258 ] الأرض باتفاق العلماء .

                ولما رأى بعض العلماء اتفاق العلماء على هذا ظن أنهم متفقون على أنه لا ينقص من الأجرة المسماة بقدر ما نقص من المنفعة ولم يميز بين كون المنفعة مضمونة على المؤجر حتى تنقضي المدة ; بخلاف الزرع نفسه . فإنه ليس مضمونا عليه .

                وقد اتفق العلماء على أنه لو نقصت المنفعة المستحقة بالعقد كان للمستأجر الفسخ كما لو استأجر طاحونا أو حماما أو بستانا له ماء معلوم فنقص ذلك الماء نقصا فاحشا عما جرت به العادة ; بخلاف الجائحة في بيع الثمار فإن فيها نزاعا مشهورا .

                فلو اشترى ثمرا قبل بدو صلاحه فأصابته جائحة كان من ضمان البائع ; في مذهب مالك وأحمد .

                وهو قول الشافعي الذي علقه على صحة الخبر وقد صح الخبر في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن بعت من أخيك ثمرة فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئا بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ؟ } .

                واشترط مالك أن يكون كثيرا فوق الثلث وهو رواية عن أحمد .

                وظاهر مذهبه وضع القليل والكثير .

                والمسألة لا تجيء على قول أبي حنيفة ; فإنه لا يفرق بين ما قبل بدو الصلاح وما بعده ; بل يوجب العقد عند القطع في الحال مطلقا ولو شرط التبقية ولو بعد بدو الصلاح لم يجز .

                والثلاثة يفرقون [ بين ] ما قبل بدو الصلاح وما [ ص: 259 ] بعده .

                كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة .

                وأما ضمان البساتين عاما أو أعواما ليستغلها الضامن بسقيه وعمله كالإجارة ففيها نزاع .

                وكذلك إذا بدا الصلاح في جنس من الثمر كالتوت فهل يباع جميع البستان ؟ فيه نزاع . والأظهر جواز هذا وهذا . كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع .




                الخدمات العلمية