الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة القيامة .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( لا أقسم بيوم القيامة ( 1 ) ) .

في ( لا ) وجهان : أحدهما : هي زائدة ، كما زيدت في قوله تعالى : ( لئلا يعلم ) [ سورة الحديد : 29 ] .

والثاني : ليست زائدة ، وفي المعنى وجهان :

[ ص: 477 ] أحدهما : هي نفي للقسم بها كما نفي القسم بالنفس .

والثاني : أن " لا " رد لكلام مقدر ؛ لأنهم قالوا : أنت مفتر على الله في قولك : نبعث ؛ فقال لا ، ثم ابتدأ ؛ فقال : أقسم ، وهذا كثير في الشعر ، فإن واو العطف تأتي في مبادئ القصائد كثيرا ، يقدر هناك كلام يعطف عليه . وقرئ : " لأقسم " . وفي الكلام وجهان : أحدهما : هي لام التوكيد دخلت على الفعل المضارع ؛ كقوله تعالى : ( وإن ربك ليحكم بينهم ) [ سورة النحل : 124 ] ، وليست لام القسم .

والثاني : هي لام القسم ، ولم تصحبها النون اعتمادا على المعنى ؛ ولأن خبر الله صدق ؛ فجاز أن يأتي من غير توكيد .

وقيل : شبهت الجملة الفعلية بالجملة الاسمية ؛ كقوله تعالى : ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم . . . ) [ سورة الحجر : 72 ] .

قال تعالى : ( بلى قادرين على أن نسوي بنانه ( 4 ) بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ( 5 ) يسأل أيان يوم القيامة ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( قادرين ) أي بلى نجمعها ؛ فقادرين حال من الفاعل .

و ( أمامه ) : ظرف ؛ أي ليكفر فيما يستقبل . و ( يسأل ) : تفسير ليفجر .

قال تعالى : ( إلى ربك يومئذ المستقر ( 12 ) ) .

قوله تعالى : ( إلى ربك ) : هو خبر " المستقر " . و " يومئذ " : منصوب بفعل دل عليه " المستقر " ولا يعمل فيه المستقر ؛ لأنه مصدر بمعنى الاستقرار ؛ والمعنى : إليه المرجع .

قال تعالى : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ( 14 ) ) .

قوله تعالى : ( بل الإنسان ) : هو مبتدأ ، و " بصيرة " : خبره ، و " على " يتعلق بالخبر .

وفي التأنيث وجهان ؛ أحدهما : هي داخلة للمبالغة ؛ أي بصير على نفسه .

والثاني : هو على المعنى ؛ أي هو حجة بصيرة على نفسه ؛ ونسب الإبصار إلى الحجة لما ذكر في بني إسرائيل .

[ ص: 478 ] وقيل : بصيرة هنا مصدر ، والتقدير : ذو بصيرة ؛ ولا يصح ذلك إلا على التبيين .

قال تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة ( 22 ) إلى ربها ناظرة ( 23 ) ) .

قوله تعالى : ( وجوه ) : هو مبتدأ ، و " ناضرة " : خبره ، وجاز الابتداء بالنكرة لحصول الفائدة . و ( يومئذ ) : ظرف للخبر .

ويجوز أن يكون الخبر محذوفا ؛ أي ثم وجوه . و " ناضرة " : صفة .

وأما " إلى " فتتعلق بـ " ناظرة " الأخيرة .

وقال بعض غلاة المعتزلة : إلى هاهنا : اسم بمعنى النعمة ؛ أي منتظرة نعمة ربها ، والمراد أصحاب الوجوه .

قال تعالى : ( كلا إذا بلغت التراقي ( 16 ) وقيل من راق ( 17 ) ) .

قوله تعالى : ( إذا بلغت ) : العامل في " إذا " معنى : ( إلى ربك يومئذ المساق ) [ سورة القيامة : 30 ] أي إذا بلغت الحلقوم رفعت إلى الله تعالى .

و ( التراقي ) : جمع ترقوة ، وهي فعلوة ، وليست بتفعلة ؛ إذ ليس في الكلام ترق .

و ( من ) : مبتدأ ، و " راق " : خبره ؛ أي من يرقيها ليبرئها .

وقيل : من يرفعها إلى الله عز وجل ؛ أملائكة الرحمة ، أو ملائكة العذاب ؟

قال تعالى : ( فلا صدق ولا صلى ( 31 ) ولكن كذب وتولى ( 32 ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى ( 33 ) ) .

قوله تعالى : ( فلا صدق ) : " لا " بمعنى ما . و ( يتمطى ) : فيه وجهان :

أحدهما : الألف مبدلة من طاء ، والأصل يتمطط ؛ أي يتمدد في مشيه كبرا .

والثاني : هو بدل من واو ؛ والمعنى : يمد مطاه ؛ أي ظهره .

قال تعالى : ( أولى لك فأولى ( 34 ) ) .

قوله تعالى : ( أولى لك ) : وزن أولى فيه قولان :

أحدهما : فعلى ، والألف للإلحاق ، لا للتأنيث .

والثاني : هو أفعل ، وهو على القولين هنا علم ؛ فلذلك لم ينون ، ويدل عليه ما حكي عن أبي زيد في النوادر : هي أولاة بالتاء غير مصروف ، فعلى هذا يكون " أولى " مبتدأ ، و " لك " : الخبر .

[ ص: 479 ] والقول الثاني : أنه اسم للفعل مبني ، ومعناه وليك شر بعد شر ؛ و " لك " تبيين .

قال تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ( 36 ) ألم يك نطفة من مني يمنى ( 37 ) ثم كان علقة فخلق فسوى ( 38 ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ( 39 ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ( 40 ) ) .

و ( سدى ) : حال ، وألفه مبدلة من واو .

و ( يمنى ) - بالياء - على أن الضمير للمني ؛ فيكون في موضع جر . ويجوز أن يكون للنطفة ؛ لأن التأنيث غير حقيقي . والنطفة بمعنى الماء ، فيكون في موضع نصب ، كالقراءة بالتاء .

و ( الذكر والأنثى ) : بدل من الزوجين . و ( يحيي ) بالإظهار لا غير ؛ لأن الياء لو أدغمت للزم الجمع بين ساكنين لفظا وتقديرا . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية