الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        153 - الحديث الأول : عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه ، فقامت طائفة معه ، وطائفة بإزاء العدو ، فصلى بالذين معه ركعة ، ثم ذهبوا ، وجاء الآخرون ، فصلى بهم ركعة ، وقضت الطائفتان ركعة ، ركعة } .

                                        [ ص: 361 ]

                                        التالي السابق


                                        [ ص: 361 ] جمهور العلماء : على بقاء حكم صلاة الخوف في زماننا كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه . ونقل عن أبي يوسف خلافه ، أخذا من قوله تعالى { وإذا كنت فيهم } وذلك يقتضي تخصيصه بوجوده فيهم . وقد يؤيد هذا بأنها صلاة على خلاف المعتاد . وفيها أفعال منافية . فيجوز أن تكون المسامحة فيها بسبب فضيلة إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم . والجمهور يدل على مذهبهم دليل التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم . والمخالفة المذكورة لأجل الضرورة . موجودة بعد الرسول . كما هي موجودة في زمانه ، ثم الضرورة تدعو إلى أن لا يخرج وقت الصلاة عن أدائها . وذلك يقتضي إقامتها على خلاف المعتاد مطلقا - أعني في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده فإذا ثبت جوازها بعد الرسول على الوجه الذي فعله . فقد وردت عنه فيها وجوه مختلفة في كيفية أدائها تزيد على العشرة . فمن الناس من أجاز الكل . واعتقد أنه عمل بالكل وذلك - إذا ثبت أنها وقائع مختلفة - قول محتمل . ومن الفقهاء من رجح بعض الصفات المنقولة . فأبو حنيفة ذهب إلى حديث ابن عمر هذا ، إلا أنه قال : إنه بعد سلام الإمام ، تأتي الطائفة الأولى إلى موضع الإمام . فتقضي ، ثم تذهب ثم تأتي الطائفة الثانية أي موضع الإمام ، فتقضي ثم تذهب . وقد أنكرت عليه هذه الزيادة . وقيل : إنها لم ترد في حديث . واختار الشافعي رواية صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف . واختلف أصحابه : لو صلى على رواية ابن عمر : هل تصح صلاته أم لا ؟ فقيل إنها صحيحة لصحة الرواية ، وترجيح رواية صالح من باب الأولى .

                                        واختار مالك ترجيح الصفة التي ذكرها سهل بن أبي حثمة التي رواها عنه في الموطإ موقوفة . وهي تخالف الرواية المذكورة في الكتاب في سلام الإمام . { فإن فيها أن الإمام يسلم وتقضي الطائفة الثانية بعد سلامه } . والفقهاء لما رجح بعضهم بعض الروايات على بعض احتاجوا إلى ذكر سبب الترجيح . فتارة يرجحون بموافقة ظاهر القرآن . وتارة بكثرة الرواة : وتارة يكون بعضها موصولا وبعضها موقوفا . وتارة بالموافقة للأصول في غير هذه الصلاة . وتارة بالمعاني . وهذه الرواية التي اختارها أبو حنيفة توافق الأصول في أن قضاء طائفتين بعد سلام الإمام . [ ص: 362 ]

                                        وأما ما اختاره الشافعي : ففيه قضاء الطائفتين معا قبل سلام الإمام . وأما ما اختاره مالك : ففيه قضاء إحدى الطائفتين فقط قبل سلام الإمام .




                                        الخدمات العلمية