الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( باب ) لما كان التقليد مقابلا للاجتهاد ، وانتهى الكلام على أحكام الاجتهاد شرعنا في الكلام على أحكام التقليد ثم ( التقليد لغة : وضع الشيء في العنق ) حالة كونه ( محيطا به ) أي : بالعنق ، وذلك الشيء يسمى قلادة . وجمعها قلائد ( و ) التقليد ( عرفا ) أي : في عرف الأصوليين ( أخذ مذهب الغير ) أي : اعتقاد صحته واتباعه عليه ( بلا ) أي : من غير ( معرفة دليله ) أي : دليل مذهب الغير الذي اقتضاه ، وأوجب القول به ، فقوله " أخذ " جنس . والمراد به : اعتقاد ذلك ، ولو لم يعمل [ ص: 617 ] به لفسق أو غير فسق ، وقوله " مذهب " يشمل ما كان قولا له أو فعلا .

ونسبة المذهب إلى الغير يخرج به ما كان معلوما بالضرورة ، ولا يختص به ذلك الغير إذا كان من أقواله وأفعاله التي ليس له فيها اجتهاد ، فإنها لا تسمى مذهبه ، وقوله " بلا معرفة دليله " يشمل المجتهد إذا لم يجتهد ولا عرف الدليل ، وجوزنا له التقليد ، فإنه حينئذ كالعامي في أخذه بقول الغير من غير معرفة دليله ، فيخرج عنه المجتهد إذا عرف الدليل ، ووافق اجتهاده اجتهاد مجتهد آخر ، فإنه لا يسمى تقليدا . كما يقال : أخذ الشافعي بمذهب مالك في كذا . وأخذ أحمد بمذهب الشافعي في كذا ، وإنما خرج ذلك ; لأنه - وإن صدق عليه أنه أخذ بقول الغير - لكنه مع معرفة دليله حق المعرفة فما أخذ حقيقة إلا من الدليل لا من المجتهد ، فيكون إطلاق الأخذ بمذهبه فيه تجوز .

وعبر الآمدي وابن الحاجب بقولهما " بغير حجة " وهو يقتضي أن أخذ القول ممن قوله حجة لا يسمى تقليدا ومثلا ذلك بأخذ العامي بقول مثله ، وأخذ المجتهد بقول مثله في حكم شرعي وحيث تقرر أن التقليد أخذ مذهب الغير بلا معرفة دليله ( فالرجوع إلى قوله صلى الله عليه وسلم وإلى المفتي ، و ) إلى ( الإجماع ، و ) رجوع ( القاضي إلى العدول : ليس بتقليد ، ولو سمي تقليدا لساغ ) ذلك .

وفي المقنع : المشهور أن أخذه بقول المفتي تقليد ، وهو أظهر ، وقدمه في آداب المفتي في الإجماع أيضا ، وقيل : والقاضي . وقال الشيخ تقي الدين في المسودة : والتقليد قبول القول بغير دليل ، فليس المصير إلى الإجماع تقليدا ; لأن الإجماع دليل وكذلك يقبل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يقال : تقليدا ، بخلاف فتوى الفقيه ، وذكر في ضمن مسألة التقليد : أن الرجوع إلى قول الصحابي ليس بتقليد ; لأنه حجة ، وقال فيها : لما جاز تقليد الصحابة لزمه ذلك ، ولم يجز له مخالفته ، بخلاف الأعلم ، وقد قال أحمد في رواية أبي الحارث " من قلد في الخبر : رجوت أن يسلم إن شاء الله تعالى " فقد أطلق اسم التقليد على من صار إلى الخبر ، وإن كان حجة في نفسه . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية