الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 855 ] كتاب الزكاة الأول

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1- (ب) = نسخة برلين رقم (3144)

                                                                                                                                                                                        2- (س) = نسخة الأسكوريال رقم (1082)

                                                                                                                                                                                        3- (ق3) = نسخة القرويين رقم (368/ 4)

                                                                                                                                                                                        4- (م) = نسخة مراكش رقم (112/ 1) [ ص: 856 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 857 ]

                                                                                                                                                                                        كتاب الزكاة الأول

                                                                                                                                                                                        باب في وجوب الزكاة، وقتال مانعها، وفيما تجب فيه الزكاة من الأموال وذكر النصاب والحول

                                                                                                                                                                                        أوجب الله سبحانه الزكاة في غير موضع من كتابه، وقتال من منعها، فقال تعالى: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم [التوبة: 5] فلم يرفع القتل والقتال وإن تابوا وأقاموا الصلاة; إلا أن يؤدوا الزكاة، وأخبر أنه ممن ينفذ فيه الوعيد يوم القيامة، فقال: يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم [التوبة: 35] ، وقال: سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة [آل عمران: 180].

                                                                                                                                                                                        وثبتت الأخبار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل هذه الآيات الثلاث: وجوب الزكاة، وقتال مانعها، وعقوبته في الآخرة بمثل ذلك.

                                                                                                                                                                                        فقال -صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان".

                                                                                                                                                                                        وبعث معاذا إلى اليمن، فقال له: "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني [ ص: 858 ] رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم".

                                                                                                                                                                                        وقال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".

                                                                                                                                                                                        فلم يجعل لهم عصمة دمهم وإن آمنوا وصلوا وأقروا بالصلاة وبالزكاة إلا بأدائها، وهذا في الجماعة التي تقدر على الامتناع فيحتاج معها إلى القتال، وأما الواحد وما أشبه ذلك والنفر اليسير; فتؤخذ منه بالقهر وتجزئه ولا يقتل.

                                                                                                                                                                                        وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- ثم يقول: أنا كنزك أنا مالك، ثم تلا: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله... الآية [آل عمران: 180]. وقد اجتمع على هذه الأحاديث البخاري [ ص: 859 ] ومسلم.

                                                                                                                                                                                        وزاد مسلم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره".

                                                                                                                                                                                        وجميع هذه الآيات والأحاديث من باب المجمل يفيد وجوب الزكاة دون معرفة ما يصح الامتثال به، ومعناها ومعنى ما يتعلق بها من الأحكام; وهي ستة: معرفة الجنس الذي تجب فيه الزكاة، والنصاب، والقدر الذي يؤخذ، والوقت الذي تؤخذ فيه، والمخاطب بالزكاة، والوجه الذي تصرف فيه.

                                                                                                                                                                                        فالجنس ثلاثة: العين، والحرث، والماشية. قال مالك: وهي السنة المعمول بها عندنا.

                                                                                                                                                                                        فالعين: الذهب، والفضة، وما يكون عن الحرث من الأطعمة المقتاتة التي هي أصل للمعاش.

                                                                                                                                                                                        والماشية: الإبل، والبقر، والغنم.

                                                                                                                                                                                        ونصاب الفضة: خمس أواق، والذهب: عشرون دينارا، والذي يجب فيهما ربع العشر. [ ص: 860 ]

                                                                                                                                                                                        ونصاب الأطعمة: خمسة أوسق، والذي يجب فيها العشر حالة، وحالة نصف العشر، ونصاب الماشية والذي يجب فيها مختلف غير مقصور على شيء واحد، يذكر في موضعه إن شاء الله.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية