[ ص: 235 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=34وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=36فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=34وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=36فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ والساعة رفعا ونصبا ، قال
الزجاج : من نصب عطف على الوعد ، ومن رفع فعلى معنى وقيل : ( الساعة لا ريب فيها ) ، قال
الأخفش : الرفع أجود في المعنى وأكثر في كلام العرب ، إذا جاء بعد خبر إن لأنه كلام مستقل بنفسه بعد مجيء الكلام الأول بتمامه .
المسألة الثانية : حكى الله تعالى عن الكفار أنهم إذا قيل : إن وعد الله بالثواب والعقاب حق وإن الساعة آتية لا ريب فيها قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) .
أقول : الأغلب على الظن أن القوم كانوا في هذه المسألة على قولين : منهم من كان قاطعا بنفي البعث والقيامة ، وهم الذين ذكرهم الله في الآية المتقدمة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28760وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا ) ، ومنهم من كان شاكا متحيرا فيه ، لأنهم لكثرة ما سمعوه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحته صاروا شاكين فيه ، وهم الذين أرادهم بهذه الآية ، والذي يدل عليه أنه تعالى حكى مذهب أولئك القاطعين ، ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء ; فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33وبدا لهم ) أي في الآخرة ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33سيئات ما عملوا ) وقد كانوا من قبل يعدونها حسنات ; فصار ذلك أول خسرانهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) ، وهذا كالدليل على أن هذه الفرقة لما قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32إن نظن إلا ظنا ) إنما ذكروه على سبيل الاستهزاء والسخرية ، وعلى هذا الوجه فهذا الفريق شر من الفريق الأول ، لأن الأولين كانوا منكرين وما كانوا مستهزئين ، وهذا الفريق ضموا إلى
nindex.php?page=treesubj&link=30539الإصرار على الإنكار الاستهزاء .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=34وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ) وفي تفسير هذا النسيان وجهان :
الأول : نترككم في العذاب كما تركتم الطاعة التي هي الزاد ليوم المعاد .
الثاني : نجعلكم بمنزلة الشيء المنسي غير المبالى به ، كما لم تبالوا أنتم بلقاء يومكم ولم تلتفتوا إليه بل جعلتموه كالشيء الذي يطرح نسيا
[ ص: 236 ] منسيا .
nindex.php?page=treesubj&link=32511_30525_30539_29494فجمع الله تعالى عليهم من وجوه العذاب الشديد ثلاثة أشياء :
فأولها : قطع رحمة الله تعالى عنهم بالكلية .
وثانيها : أنه يصير مأواهم النار .
وثالثها : أن لا يحصل لهم أجر من الأعوان والأنصار .
ثم بين تعالى أنه يقال لهم : إنكم إنما صرتم مستحقين لهذه الوجوه الثلاثة من العذاب الشديد لأجل أنكم أتيتم بثلاثة أنواع من الأعمال القبيحة :
فأولها : الإصرار على إنكار الدين الحق .
وثانيها : الاستهزاء به والسخرية منه .
وهذان الوجهان داخلان تحت قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا ) .
وثالثها : الاستغراق في حب الدنيا والإعراض بالكلية عن الآخرة ، وهو المراد من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35وغرتكم الحياة الدنيا ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35فاليوم لا يخرجون منها ) قرأ
حمزة والكسائي ( يخرجون ) بفتح الياء ، والباقون بضمها ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35ولا هم يستعتبون ) أي ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم ، أي يرضوه .
ولما تم الكلام في هذه المباحث الشريفة الروحانية ختم السورة
nindex.php?page=treesubj&link=28881_28900_33147بتحميد الله تعالى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=36فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ) أي فاحمدوا الله الذي هو خالق السماوات والأرض ، بل خالق كل العالمين من الأجسام والأرواح والذوات والصفات ، فإن هذه الربوبية توجب الحمد والثناء على كل أحد من المخلوقين والمربوبين .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وله الكبرياء في السماوات والأرض ) وهذا مشعر بأمرين :
أحدهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=24407_24415التكبير لا بد وأن يكون بعد التحميد ، والإشارة إلى أن الحامدين إذا حمدوه وجب أن يعرفوا أنه أعلى وأكبر من أن يكون الحمد الذي ذكروه لائقا بإنعامه ، بل هو أكبر من حمد الحامدين ، وأياديه أعلى وأجل من شكر الشاكرين .
والثاني : أن هذا
nindex.php?page=treesubj&link=29691الكبرياء له لا لغيره لأن واجب الوجود لذاته ليس إلا هو .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وهو العزيز الحكيم ) يعني أنه لكمال قدرته يقدر على خلق أي شيء أراد ، ولكمال حكمته يخص كل نوع من مخلوقاته بآثار الحكمة والرحمة والفضل والكرم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وهو العزيز الحكيم ) يفيد الحصر ، فهذا يفيد أن الكامل في القدرة وفي الحكمة وفي الرحمة ليس إلا هو ، وذلك يدل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28663لا إله للخلق إلا هو ، ولا محسن ولا متفضل إلا هو .
قال مولانا رضي الله عنه : تم تفسير هذه السورة يوم الجمعة بعد الصلاة الخامس عشر من ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة ، والحمد لله حمدا طيبا مباركا مخلدا مؤبدا ، كما يليق بعلو شأنه وباهر برهانه وعظيم إحسانه ، والصلاة على الأرواح الطاهرة المقدسة من ساكني أعالي السماوات وتخوم الأرضين من الملائكة والأنبياء والأولياء والموحدين ، خصوصا على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
[ ص: 235 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=34وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=36فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=34وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=36فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .
وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قُرِئَ وَالسَّاعَةُ رَفْعًا وَنَصْبًا ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : مَنْ نَصَبَ عَطَفَ عَلَى الْوَعْدِ ، وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى مَعْنَى وَقِيلَ : ( السَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا ) ، قَالَ
الْأَخْفَشُ : الرَّفْعُ أَجْوَدُ فِي الْمَعْنَى وَأَكْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، إِذَا جَاءَ بَعْدَ خَبَرِ إِنَّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مَجِيءِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِتَمَامِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ إِذَا قِيلَ : إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ حَقٌّ وَإِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ) .
أَقُولُ : الْأَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ : مِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَاطِعًا بِنَفْيِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24nindex.php?page=treesubj&link=28760وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ) ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ شَاكًّا مُتَحَيِّرًا فِيهِ ، لِأَنَّهُمْ لِكَثْرَةِ مَا سَمِعُوهُ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلِكَثْرَةِ مَا سَمِعُوهُ مِنْ دَلَائِلَ الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ صَارُوا شَاكِّينَ فِيهِ ، وَهُمُ الَّذِينَ أَرَادَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى مَذْهَبَ أُولَئِكَ الْقَاطِعِينَ ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِحِكَايَةِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ ; فَوَجَبَ كَوْنُ هَؤُلَاءِ مُغَايِرِينَ لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33وَبَدَا لَهُمْ ) أَيْ فِي الْآخِرَةِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا ) وَقَدْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ يَعُدُّونَهَا حَسَنَاتٍ ; فَصَارَ ذَلِكَ أَوَّلَ خُسْرَانِهِمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=33وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) ، وَهَذَا كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ لَمَّا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=32إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا ) إِنَّمَا ذَكَرُوهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهَذَا الْفَرِيقُ شَرٌّ مِنَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ كَانُوا مُنْكِرِينَ وَمَا كَانُوا مُسْتَهْزِئِينَ ، وَهَذَا الْفَرِيقُ ضَمُّوا إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30539الْإِصْرَارِ عَلَى الْإِنْكَارِ الِاسْتِهْزَاءَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=34وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ) وَفِي تَفْسِيرِ هَذَا النِّسْيَانِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : نَتْرُكُكُمْ فِي الْعَذَابِ كَمَا تَرَكْتُمُ الطَّاعَةَ الَّتِي هِيَ الزَّادُ لِيَوْمِ الْمَعَادِ .
الثَّانِي : نَجْعَلُكُمْ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ الْمَنْسِيِّ غَيْرِ الْمُبَالَى بِهِ ، كَمَا لَمْ تُبَالُوا أَنْتُمْ بِلِقَاءِ يَوْمِكُمْ وَلَمْ تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ بَلْ جَعَلْتُمُوهُ كَالشَّيْءِ الَّذِي يُطْرَحُ نَسْيًا
[ ص: 236 ] مَنْسِيًّا .
nindex.php?page=treesubj&link=32511_30525_30539_29494فَجَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوهِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ :
فَأَوَّلُهَا : قَطْعُ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ يَصِيرُ مَأْوَاهُمُ النَّارَ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ لَا يَحْصُلَ لَهُمْ أَجْرٌ مِنَ الْأَعْوَانِ وَالْأَنْصَارِ .
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ : إِنَّكُمْ إِنَّمَا صِرْتُمْ مُسْتَحِقِّينَ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ لِأَجْلِ أَنَّكُمْ أَتَيْتُمْ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ :
فَأَوَّلُهَا : الْإِصْرَارُ عَلَى إِنْكَارِ الدِّينِ الْحَقِّ .
وَثَانِيهَا : الِاسْتِهْزَاءُ بِهِ وَالسُّخْرِيَةُ مِنْهُ .
وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ دَاخِلَانِ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ) .
وَثَالِثُهَا : الِاسْتِغْرَاقُ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضُ بِالْكُلِّيَّةِ عَنِ الْآخِرَةِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا ) قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ ( يَخْرُجُونَ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) أَيْ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ أَنْ يَعْتِبُوا رَبَّهُمْ ، أَيْ يُرْضُوهُ .
وَلَمَّا تَمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ الشَّرِيفَةِ الرُّوحَانِيَّةِ خَتَمَ السُّورَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=28881_28900_33147بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=36فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) أَيْ فَاحْمِدُوا اللَّهَ الَّذِي هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، بَلْ خَالِقُ كُلِّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَرْوَاحِ وَالذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الرُّبُوبِيَّةَ تُوجِبُ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَالْمَرْبُوبِينَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24407_24415التَّكْبِيرَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّحْمِيدِ ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْحَامِدِينَ إِذَا حَمِدُوهُ وَجَبَ أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّهُ أَعْلَى وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَمْدُ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَائِقًا بِإِنْعَامِهِ ، بَلْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ حَمْدِ الْحَامِدِينَ ، وَأَيَادِيهِ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِينَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29691الْكِبْرِيَاءَ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ لَيْسَ إِلَّا هُوَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) يَعْنِي أَنَّهُ لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ أَيِّ شَيْءٍ أَرَادَ ، وَلِكَمَالِ حِكْمَتِهِ يَخُصُّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ بِآثَارِ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ وَالْكَرَمِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=37وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) يُفِيدُ الْحَصْرَ ، فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَامِلَ فِي الْقُدْرَةِ وَفِي الْحِكْمَةِ وَفِي الرَّحْمَةِ لَيْسَ إِلَّا هُوَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28663لَا إِلَهَ لِلْخَلْقِ إِلَّا هُوَ ، وَلَا مُحْسِنَ وَلَا مُتَفَضِّلَ إِلَّا هُوَ .
قَالَ مَوْلَانَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا مُخَلَّدًا مُؤَبَّدًا ، كَمَا يَلِيقُ بِعُلُوِّ شَأْنِهِ وَبَاهِرِ بُرْهَانِهِ وَعَظِيمِ إِحْسَانِهِ ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الْأَرْوَاحِ الطَّاهِرَةِ الْمُقَدَّسَةِ مِنْ سَاكِنِي أَعَالِي السَّمَاوَاتِ وَتُخُومِ الْأَرْضِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْمُوَحِّدِينَ ، خُصُوصًا عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .