الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 429 ] باب تفريق الخمس

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : " قال الله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية وروي أن جبير بن مطعم قال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقلنا يا رسول الله ، هؤلاء إخواننا من بني هاشم - لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم - أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا ، وشبك بين أصابعه " . وروى جبير بن مطعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل من ذلك شيئا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وقد مضى الكلام في أربعة أخماس الغنيمة ، فأما خمسها وخمس الفيء فهما سواء ، ولأربعة أخماس الفيء حكم يخالف حكم خمسه ، وخمس الفيء والغنيمة مقسوم على مذهب الشافعي على خمسة أسهم : سهم كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته ويصرف بعده في مصالح المسلمين العامة ، وسهم لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب باق لهم ما بقوا ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لبني السبيل .

                                                                                                                                            وقال أبو العالية الرياحي : يقسم الخمس على ستة أسهم : سهم منها لله تعالى مصروف في رياح الكعبة وزينتها ، ثم الخمسة الأسهم بعده على ما وصفناه .

                                                                                                                                            وقال بعض العلماء : يقسم الخمس على أربعة أسهم أسقط منها سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموته .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يقسم الخمس على ثلاثة أسهم : سهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لبني السبيل . وقال بعض العلماء : نقسم الخمس على أربعة أسهم أسقط منها سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسهم ذي القربى .

                                                                                                                                            وقال مالك : يصرف الخمس مع أربعة أخماس الفيء في وجوه المصالح .

                                                                                                                                            فأما أبو العالية فاستدل بقوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [ الأنفال : 41 ] فذكر الله تعالى نفسه من المستحقين فاقتضى أن يكون له .

                                                                                                                                            ودليلنا ما روى محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما لي مما أفاء الله [ ص: 430 ] عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم ، فلو كان مقسوما على ستة لقال إلا السدس ، وروى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم الخمس على خمسة أسهم .

                                                                                                                                            فأما الآية فالجواب عنها أن تقديم ذكر الله تعالى إنما هو للتبرك باسمه ولإباحة المال بعد حظره ، وإلا فجميع الأموال له ولتغلظ حظر ذلك على غير من سماه .

                                                                                                                                            وأما أبو حنيفة فاستدل على أن سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساقط بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن من ملك في حياته حقا كان بعد موته إما موروثا وإما ساقطا ، فلما لم يكن سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موروثا سقط .

                                                                                                                                            والثاني : أنه كان يملك سهمه من الخمس كما كان يملك من الغنيمة الصفي ، فلما سقط حقه من الصفي بموته سقط سهمه من الخمس به .

                                                                                                                                            واستدل أيضا على أن لا حق لذوي القربى فيه إلا بالفقر من جملة اليتامى والمساكين بقوله تعالى : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم [ الحشر : 7 ] فحظروا بهذا التعليل على الأغنياء وثبوت حقهم فيه يوجب التسوية بين الفقراء والأغنياء ، فدل على سقوطه بما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : دعاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد عزل لنا سهم ذي القربى فقلت إن بني هاشم عنه في غناء وإن بالمسلمين خلة وفاقة ، فإن رأيت أن ترده عليهم ، فلما تركه للغني دل على أنهم كانوا يأخذونه بالفقر .

                                                                                                                                            قال : ولأن كل مال لم يجز صرفه إلى أغنياء غير ذي القربى لم يجز صرفه إلى أغنياء ذي القربى كالصدقات : ولأنهم صنف مسمى في الخمس ، فوجب ألا يستحقوه مع الغنى كاليتامى ، والدليل على ما قلناه وهو أن سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثابت في رواية محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم فدل رده ثبوته وإن تغير حكمه لا على سقوطه .

                                                                                                                                            وروى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون المسلمين : وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة ، فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله ، ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوليها أبو بكر مثلما وليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم وليها عمر بمثل ما وليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، فموضع الدلالة من هذا الخبر أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - سلكا بحقه بعد وفاته مسلكه بحقه في حياته ، فدل على بقائه وثبوته ، ولأن ما استحق من سهام الخمس لم يسقط كسائر السهام .

                                                                                                                                            [ ص: 431 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية