الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله وما لا يجوز )

                                                                                        الظاهر أن اكتفاء المصنف في عنوان هذا الباب بما يجوز للمكاتب أن يفعله لكونه المقصود بالذات وإلا فقد ذكر في هذا الباب كثيرا مما لا يجوز للمكاتب أن يفعله قال صاحب العناية لما ذكر أحكام الكتابة الصحيحة والفاسدة شرع في بيان ما يجوز للمكاتب وما لا يجوز فإن جواز التصرف ينبني على العقد الصحيح ا هـ .

                                                                                        قال رحمه الله ( للمكاتب البيع والشراء والسفر ) ; لأن مقصود السيد من العقد الوصول إلى بدل الكتابة ومقصود العبد به الوصول إلى الحرية وذلك إنما يحصل بالبيع والشراء ، وقد لا يتفقان في الحضر فاحتاج إلى السفر ويملك البيع بالمحاباة ; لأن عادة التجار يفعلونه إظهارا للمسامحة واستجلابا لقلوب الناس ، وقد يحابي في صفقة ليربح في أخرى وأفاد إطلاقه أنه يملك أن يبيع بالنقد والنسيئة والغبن الفاحش واليسير عند الإمام ، وعندهما لا يملك بالغبن الفاحش كالعبد المأذون له ، ولو زاد في الثمن أو حط بسبب عيب جاز ، ولو حط من غير عيب لا يجوز وشراء المكاتب وبيعه من مولاه جائز ، وإذا اشترى شيئا من مال المضاربة ولا ربح فيه جاز ولا يبيع المولى ما اشترى من مكاتبه مرابحة ما لم يبين لقيام شبهة الملك له فيه ، ولو أوصى بعين من ماله ، ثم عتق فأجاز الوصية جازت كذا في المحيط وفي المبسوط .

                                                                                        ولو باع من مكاتبه درهما بدرهمين لا تجوز ; لأن هذا صريح الربا والمكاتب في كسبه بمنزلة الحر والمكاتب في حق الشفعة فيما يستحقه أو استحق عليه كالحر . ا هـ .

                                                                                        ولا يقال هذه الأحكام علمت من قوله خرج من يده دون ملكه فيكون تكرارا ; لأنا نقول علمت هناك وإن رهن أو ارتهن أو أجر أو استأجر فهو جائز وليس له أن يقرض ضمنا لا تصريحا وما علم ضمنا لا يكون مكررا فتأمله وفي المبسوط ، ولو زنى المكاتب أو سرق منه يجب القطع ; لأنه يخاطب ا هـ .

                                                                                        قال رحمه الله ( وإن شرط أن لا يخرج من المصر ) إن هذه وصلية ، وهذا الكلام متصل بما قبله يعني له أن يسافر وإن شرط المولى عليه أن لا يخرج البلد كما لو خص له نوعا من التصرف دون غيره [ ص: 52 ] كان ذلك باطلا ; لأن هذه الشروط مخالفة لما اقتضى عقد الكتابة ; لأن مقتضاها فك حجر اليد على وجه الاستمداد والاختصاص بنفسه ومنافع نفسه واكتسابه وأن لا يتحكم عليه أحد ويحصل المال بأي وجه شاء فكانت هذه الشروط باطلة والسفر مظنة تحصيل المال قال الله تعالى { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } .

                                                                                        والكتابة لا تبطل بالشروط الفاسدة كما تقدم إلا إذا كان داخلا في صلب العقد وهو أن يكون في البدل مثل أن يشترط خدمته أو مكاتبته على خمر أو خنزير فيفسد العقد ; لأن الكتابة تشبه البيع من حيث إنها تحتمل الفسخ قبل أداء البدل فيفسد العقد إذا وجد الشرط في صلب العقد وتشبه النكاح من حيث إنها لا تحتمل الفسخ بعد الأداء ; لأنها مبادلة مال بمال في حق المولى ومبادلة مال بغير مال في حق العبد ; لأنه لا يملك نفسه فلا يفسد العقد بالشروط إذ لم يكن في صلب العقد كما هنا قال في العتابية والتمكن في صلب العقد هو أن يدخل في أحد البدلين والذي ليس في صلب العقد هو الذي ليس في بدل الكتابة ولا فيما يقابله ، وقد رد عليه بعض العلماء بأن قوله ولا فيما يقابله ممنوع فإن مقابلة فك الحجر وحرمة المنع من الخروج تخصيص للفك والحرية فتأمل أقول : ليس ذلك بشيء ; لأن كون المنع من الخروج تخصيصا للفك والحرية لا يقتضي كونه داخلا فيها فإن تخصيص الشيء قد يكون بأمر خارج عنه أخص منه كما إذا عرفنا الإنسان بالحيوان الضاحك فتأمل ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية