الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2654 [ ص: 387 ] 14 - باب: من أتاه سهم غرب فقتله

                                                                                                                                                                                                                              2809 - حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا حسين بن محمد أبو أحمد ، حدثنا شيبان ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ، أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة - أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا نبي الله ، ألا تحدثني عن حارثة -وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب ، فإن كان في الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ؟ قال : " يا أم حارثة ، إنها جنان في الجنة ، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " . [3982 ، 6550 ، 6567 - فتح: 6 \ 25]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث شيبان ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أن أم الربيع بنت البراء -وهي أم حارثة بن سراقة - أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا نبي الله ، ألا تحدثني عن حارثة -وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ؟ فقال : "يا أم حارثة ، إنها جنان في الجنة ، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث من أفراده ، وفي لفظ له في المغازي : "أهبلت أجنة واحدة هي إنها جنان كثيرة ، وإنه في الفردوس الأعلى " ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من حديث أنس .

                                                                                                                                                                                                                              والكلام عليه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها : قوله : (أن أم الربيع بنت البراء ) غير جيد إنما هي : أم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 388 ] حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              الربيع بنت النضر أخت أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي ، وهي عمة أنس بن مالك بن النضر بن مالك بن النضر هي التي كسرت ثنية امرأة ; بين ذلك الترمذي في التفسير من حديث سعيد ، عن قتادة ، عن أنس أن الربيع بنت النضر أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ابنها حارثة أصيب يوم بدر ، وكذا نبه الإسماعيلي في "مستخرجه " ، وأبو نعيم وغيرهما وحارثة هو الذي قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كيف أصبحت يا حارثة " فقال : أصبحت مؤمنا بالله حقا . . الحديث ، وفيه : يا رسول الله ادع لي

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 389 ] بالشهادة فجاء يوم بدر ليشرب من الحوض فرماه حبان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فقتله .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو موسى المديني : وكان خرج نظارا وهو غلام ; ولما قال رسول الله لأمه ما قال رجعت وهي تضحك وتقول : بخ بخ لك يا حارثة ، وهو أول قتيل من الأنصار ببدر .

                                                                                                                                                                                                                              وأما قول ابن منده : أنه شهد بدرا واستشهد بأحد فغير جيد ، وعند أبي نعيم : كان كثير البر بأمه قال - صلى الله عليه وسلم - : "دخلت الجنة فرأيت حارثة كذلك البر " ، هو غير جيد ; لأن المقتول فيه هنا هو حارثة بن النعمان كما بينه أحمد في "مسنده " وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها : قوله : (سهم غرب ) : هو الذي لا يعلم راميه ولم يدر من حيث أتاه ، قال أبو عبيد : يقال : أصابه سهم غرب إذا كان لا يعلم من رماه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن السكيت : سهم غرب ، وسهم غرب وغرب إذا لم يدر من أي جهة رمي به ، وقال غيره : سهم غرب .

                                                                                                                                                                                                                              وحكى الخطابي عن أبي زيد قال : سهم غرب ساكنة الراء إذا أتاه من حيث لا يدري ، وسهم غرب -بفتح الراء - إذا رماه فأصاب غيره ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 390 ] وقال ابن دريد : سهم غائر لا يدرى من رماه ، وقال ابن فارس : يقال : سهم غرب وغرب إذا لم يدر راميه ، وقال ابن الجوزي : روي لنا سهم بالتنوين وغرب بإسكان الراء مع الرفع والتنوين . وقال ابن قتيبة : كذا تقوله العامة ، والأجود سهم غرب بفتح الراء ، وإضافة الغرب إلى السهم ، وذكره الأزهري بفتح الراء لا غيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن سيده : يقال : أصابه سهم غرب وغرب إذا كان لا يدرى من رماه . وقيل : إذا أتاه من حيث لا يدري ، وقيل : إذا تعمد غيره فأصابه ، وقد يوصف به . وفي "المنتهى " : سهم غرب وغرب بفتح الراء وسكونها يضاف ولا يضاف ، إذا أصابه سهم لا يعرف من رماه ، ومثله سهم عرض ، فإن عرف فليس بغرب ولا عرض ، وبنحوه ذكره القزاز وغيره ، فعلى هذا لا يقال في السهم الذي أصاب حارثة : غرب ; لأن راميه قد عرف .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : هذا الحديث نحو حديث أم حرام إذ سقطت عن دابتها فماتت ، وهذا وشبهه مما يستحق به الجنة ، إذا صحت فيه النية .

                                                                                                                                                                                                                              وقولها : (اجتهدت في البكاء ) قال الخطابي : لم يعنفها عليه ، قلت : لعله المقصود الذي لا حرج على فاعله فهو مباح ، فكذا لم يعنفها بل هو رحمة ، ويجوز أن يحمل البكاء هنا على الدعاء والرقة ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 391 ] يؤيده رواية الترمذي : اجتهدت في الدعاء . وهو نص في وصوله له وهو إجماع ، ولهذا شرعت الصلاة عليه ، والجنان : جمع جنة : وهي البستان ، ويقال : هي النخل الطوال ، وقال الأزهري : كل شجر متكاثف يستر بعضه بعضا فهو جنة ، مشتق من جننته إذا سترته .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية