الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          455 - مسألة : ففي الصلاة أربع جلسات : جلسة بين كل سجدتين ، وجلسة إثر السجدة الثانية من كل ركعة ، وجلسة للتشهد بعد الركعة الثانية ، يقوم منها إلى الثالثة في المغرب ، والحاضر في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وجلسة للتشهد في آخر كل صلاة ، يسلم في آخرها .

                                                                                                                                                                                          وصفة جميع الجلوس المذكور أن يجعل أليته اليسرى على باطن قدمه اليسرى مفترشا لقدمه ، وينصب قدمه اليمنى ، رافعا لعقبها ، مجلسا لها على باطن أصابعها ، إلا الجلوس الذي يلي السلام من كل صلاة ، فإن صفته : أن يفضي بمقاعده إلى ما هو جالس عليه ، ولا يقعد على باطن قدمه فقط ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل عن عاصم بن كليب عن أبيه { عن وائل بن حجر قال : قلت : لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا بأذنيه ثم أخذ شماله بيمينه ، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك ، ثم جلس فافترش رجله اليسرى } ، وذكر باقي الحديث .

                                                                                                                                                                                          فهذا عموم لكل جلوس في الصلاة - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ثنا محمد بن يوسف الفربري [ ص: 42 ] ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث هو ابن سعد - عن يزيد بن أبي حبيب ، ويزيد بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن { محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد الساعدي : أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه ، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ، ثم هصر ظهره ، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه ، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته } .

                                                                                                                                                                                          قال البخاري : سمع الليث يزيد بن أبي حبيب ، وسمع يزيد بن حلحلة وابن حلحلة عن ابن عطاء ، وروينا من طريق عبد الرزاق عن عطاء ونافع مولى ابن عمر ، كلاهما عن ابن عمر : أنه كان يجلس في مثنى فيجلس على اليسرى رجليه ، يتبطنها جالسا عليها ، ويقعي على أصابع يمناه ثانيها وراءه ؟ وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ؟ وقال أبو حنيفة : الجلوس كله - لا نحاش شيئا - مفترشا بأليته اليسرى باطن قدمه اليسرى ؟ وقال مالك : الجلوس كله - لا نحاش شيئا - مفضيا بمقاعده إلى الأرض قال علي : وكلا القولين خطأ وخلاف للسنة الثابتة التي أوردنا ؟ ومن العجب احتجاج الطائفتين كلتيهما بحديث أبي حميد المذكور في إسقاط الجلسة إثر السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة ، وليس فيه ذكر لها أصلا ، لا بإثبات ولا بإسقاط ، ثم يخالفون حديث أبي حميد في نص ما فيه من صفة الجلوس وهذا غريب جدا

                                                                                                                                                                                          [ ص: 43 ] واعترض بعض المعترضين بالباطل على حديث أبي حميد هذا بأن العطاف بن خالد رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء عن رجل عن أبي حميد ، وأن محمد بن عمرو بن عطاء روى هذا الحديث أيضا عن عباس بن سهل الساعدي عن أبيه وليس فيه هذا التقسيم .

                                                                                                                                                                                          قال علي : هذا اعتراض من لا يتقي الله ; لأن عطاف بن خالد ساقط لا تحل الرواية عنه إلا على بيان ضعفه ، فلا يجوز أن يحتج به على رواية الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو عن عطاء أنه شهد الأمر .

                                                                                                                                                                                          وأما رواية محمد بن عمرو عن عباس بن سهل فهذا خطأ ممن قال ذلك .

                                                                                                                                                                                          إنما رواه عيسى بن عبد الله بن مالك عن عباس بن سهل ، أو عياش - هكذا بالشك .

                                                                                                                                                                                          ورواه أيضا فليح بن سليمان عن عباس بن سهل - : وهاتان الروايتان أيضا - على علاتهما - موافقتان لروايتي أبي حميد .

                                                                                                                                                                                          وقال بعض القائلين : إن بعض الرواة روى حديث محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد فذكر فيه : أن أبا قتادة شهد المجلس وأبو قتادة قتل مع علي ، ولم يدركه محمد بن عمرو .

                                                                                                                                                                                          قال علي : والذي ذكر عن أبي قتادة أنه قتل مع علي من أحاديث السمريين والروافض ، ولا يصح ذلك ، ولا يعترض بمثل هذا على رواية الثقات . [ ص: 44 ]

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فإنما ذكر أبا قتادة : عبد الحميد بن جعفر ، ولعله وهم فيه ، فبطل ما شغبوا به ، وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية