الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

فإذا حصلت هذه الثلاثة بالسكينة - وهي النور ، والحياة والروح - سكن إليها العصي وهو الذي سكونه إلى المعصية والمخالفة ؛ لعدم سكينة الإيمان في قلبه صار سكونه إليها عوض سكونه إلى الشهوات ، والمخالفات . فإنه قد وجد فيها مطلوبه . وهو اللذة التي كان يطلبها من المعصية . ولم يكن له ما يعيضه عنها . فإذا نزلت عليه السكينة [ ص: 476 ] اعتاض بذلتها وروحها ، ونعيمها عن لذة المعصية . فاستراحت بها نفسه . وهاج إليها قلبه . ووجد فيها من الروح والراحة واللذة ما لا نسبة بينه وبين اللذة الجسمانية النفسانية . فصارت لذته روحانية قلبية . بعد أن كانت جسمانية فانسلب منها ، وحبس عنها وخلصته . فإذا تألقت بروقها قال :


تألق البرق نجديا فقلت له : يا أيها البرق ، إني عنك مشغول

وإذا طرقته طيوفها الخيالية في ظلام ليل الشهوات ، نادى لسان حاله ، وتمثل بمثل قوله :


طرقتك صائدة القلوب وليس ذا     وقت الزيارة فارجعي بسلام

فإذا ودعته وعزمت على الرحيل ، ووعدته بالموافاة ، بقول الآخر :


قالت - وقد عزمت على ترحالها -     ماذا تريد ؟ فقلت : أن لا ترجعي

فإذا باشرت هذه السكينة قلبه سكنت خوفه . وهو قوله : يسكن إليها الخائف ، وسلت حزنه ؛ فإنها لا حزن معها . فهي سلوة المحزون . ومذهبة الهموم والغموم . وكذلك تذهب عنه وخم ضجره . وتبعث نشوة العزم .

وحالت بينه وبين الجرأة على مخالفة الأمر . وبين إباء النفس والانقياد إليه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية