الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          457 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ونستحب لكل مصل إماما كان أو مأموما أو منفردا في فرض كان أو نافلة ، رجلا كان أو امرأة - : أن يسلم تسليمتين فقط : إحداهما عن يمينه ، والأخرى عن يساره ، يقول في كلتيهما " السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله " لا ينوي بشيء منهما سلاما على إنسان لا على المأمومين ولا على من على يمينه ، ولا ردا على الإمام ، ولا على من على يساره لكن ينوي بالأولى - وهي الفرض - الخروج من الصلاة فقط ، والثانية : سنة حسنة ، لا يأثم تاركها ؟ أما وجوب فرض التسليمة الأولى فقد ذكرناه قبل ، فأغنى عن إعادته ؟ وأما التسليمة الثانية : فإن عبد الله بن ربيع التميمي حدثنا قال : ثنا محمد بن معاوية المرواني ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ، وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه [ ص: 46 ] - قال إسحاق : ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ويحيى بن آدم ، وقال ابن المثنى : ثنا ابن معاذ العنبري ، قال الفضل ويحيى ، ومعاذ : ثنا زهير هو أبو معاوية - عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود ، وعلقمة عن { عبد الله بن مسعود قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ، ورفع ، وقيام ، وقعود ، ويسلم عن يمينه وعن شماله : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ، حتى يرى بياض خده ورأيت أبا بكر ، وعمر يفعلانه }

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك

                                                                                                                                                                                          وعن عبد الرزاق عن معمر ، وسفيان الثوري كلاهما عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ؟ وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                          وعن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان ، { قلت لابن عمر : أخبرني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر " السلام عليكم ورحمة الله ، عن يمينه ، السلام عليكم ورحمة الله ، عن يساره }

                                                                                                                                                                                          وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عمه عامر بن سعد عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده }

                                                                                                                                                                                          بأسانيد صحاح متواترة متظاهرة

                                                                                                                                                                                          وهو فعل أبي بكر وعمر كما ذكرنا آنفا ؟ وروينا من طريق حارثة بن مضرب أن عمار بن ياسر كان يسلم عن يمينه [ ص: 47 ] السلام عليكم ورحمة الله " وعن يساره " السلام عليكم ورحمة الله " ؟ ومن طريق أبي وائل وأبي عبد الرحمن السلمي : أن علي بن أبي طالب كان يسلم عن يمينه وعن شماله " السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله " ؟ وعن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار قال : كان مسجد الأنصار يسلمون تسليمتين عن أيمانهم وعن شمائلهم ، وكان مسجد المهاجرين يسلمون تسليمة واحدة ؟ ومن طريق أبي عبد الرحمن السلمي : أن ابن مسعود كان يسلم من الصلاة تسليمتين ؟ قال علي بن أحمد : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وعمار ، وابن مسعود : من أكابر المهاجرين ، وهو فعل أبي عبيدة بن عبد الله ، وخيثمة والأسود ، وعلقمة ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ومن أدركوا من الصحابة

                                                                                                                                                                                          وبه يقول إبراهيم النخعي ، وحماد بن سلمة ، وأبو حنيفة ، وسفيان ، والحسن بن حي ، والشافعي ، وأحمد ، وداود ، وجمهور أصحاب الحديث .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : يسلم الإمام والفذ تسليمة واحدة ، ويسلم المأموم الذي ليس على يساره أحد تسليمتين ، إحداهما رد على الإمام

                                                                                                                                                                                          ويسلم المأموم الذي على يساره غيره ثلاث تسليمات ، الثالثة رد على الذي عن يساره ؟ قال علي : أما تسليمة واحدة فلا يصح فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الأخبار في [ ص: 48 ] ذلك إنما هي من طريق محمد بن المفرج عن محمد بن يونس وكلاهما مجهول أو مرسل من طريق الحسن أو من طريق زهير بن محمد ، وهو ضعيف أو من طريق ابن لهيعة ، وهو ساقط والثابت عن سعد تسليمتان كما ذكرنا ، فهي زيادة عدل ، ثم لو صحت لكان من روى تسليمتين قد زاد حكما وعلما على من لم يرو إلا واحدة ، وزيادة العدل لا يجوز [ ص: 49 ] تركها ، وهي زيادة خير ؟ وإنما لم نقل بوجوب التسليمتين جميعا فرضا كما قال الحسن بن حي : فلأن الثانية إنما هي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فليست أمرا منه عليه السلام ، وإنما يجب أمره لا فعله ؟ وتفريق مالك بين سلام المأموم والإمام والمنفرد - : قول لا برهان له عليه ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قول لصاحب ولا قياس ؟ وإنما قلنا : إن التسليم خروج عن الصلاة فقط ، لا يجوز أن يكون ابتداء سلام ولا ردا ، لبرهانين - : أحدهما : الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ابن مسعود " { أن الله أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة }

                                                                                                                                                                                          وأنه عليه السلام قال : { إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس } من طريق معاوية بن الحكم والتسليم المقصود به الابتداء أو الرد : كلام مع الناس ، وهذا منسوخ لا يحل ، بل تبطل به الصلاة إن وقع ؟ والثاني : أنهم مجمعون معنا على أن الفذ يقول " السلام عليكم ، وليس بحضرته إنسان يسلم عليه ، وكذلك الإمام لا يكون معه إلا الواحد ، فإنه يقول " السلام عليكم " بخطاب الجماعة

                                                                                                                                                                                          فصح أنه ليس ابتداء سلام على إنسان ولا ردا ؟ فإن ذكر ذاكر ما رويناه من طريق مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب قالا : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال : { خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ اسكنوا في الصلاة } ؟ [ ص: 50 ] وبه إلى مسلم : ثنا أبو كريب ثنا ابن أبي زائدة عن مسعر ثنا عبيد الله ابن القبطية عن جابر بن سمرة قال : { كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ، وأشار بيده إلى الجانبين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله }

                                                                                                                                                                                          قال علي : لا حجة في هذا لمن ذهب إلى تسليمة واحدة ، لأن فيه تسليمتين كما ترى ؟ وأما من تعلق به في أن السلام من الصلاة ابتداء : سلام على من معه ، فإن هذا بلا شك كان ثم نسخ ; لأن نص الخبر : أنهم كانوا يفعلون ذلك في الصلاة ، فأمروا بالسكون فيها ، وأن هذا كان إذ كان الكلام في الصلاة مباحا ثم نسخ ، وليس فيه : أن المراد بذلك التسليم ، الذي هو التحليل من الصلاة ، فبطل تعلقهم به - وبالله تعالى التوفيق ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية