الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل :

[ إبطال حيلة للتمكن من رجعة البائن بغير علمها ] : ومن الحيل الباطلة التحيل على رد امرأته بعد أن بانت منه وهي لا تشعر بذلك ، وقد ذكر أرباب الحيل وجوها كلها باطلة ; فمنها أن يقول لها : حلفت يمينا واستفتيت فقيل لي جدد نكاحك ; فإن كان الطلاق قد وقع وإلا لم يضرك ، فإذا أجابته قال : اجعلي الأمر إلي في تزويجك ، ثم يحضر الولي والشهود ويتزوجها ، فتصير امرأته بعد البينونة وهي لا تشعر ; فإن لم يتمكن من هذا الوجه فلينتقل إلى وجه ثان ، وهو أن يظهر أنه يريد سفرا ويقول : لا آمن الموت وأنا أريد أن أكتب لك هذه الدار وأجعل لك هذا المتاع صداقا بحيث لا يمكن إبطاله وأريد أن أشهد على ذلك ، فاجعلي أمرك إلي حتى أجعله صداقا ; فإذا [ ص: 245 ] فعلت عقد نكاحها على ذلك وتم الأمر ; فإن لم يرد السفر فليظهر أنه مريض ، ثم يقول لها : أريد أن أجعل لك ذلك ، وأخاف أن أقر لك به فلا يقبل ; فاجعلي أمرك إلي أجعله صداقا ، فإذا فعلت أحضر وليها وتزوجها ; فإن حذرت المرأة من ذلك كله ولم يتمكن منه لم يبق له إلا حيلة واحدة ، وهي أن يحلف بطلاقها ، أو يقول : قد حلفت بطلاقك أني أتزوج عليك في هذا اليوم أو هذا الأسبوع ، أو أسافر بك ، وأنا أريد أن أتمسك بك ولا أدخل عليك ضرة ولا تسافرين ، فاجعلي أمرك إلي حتى أخالعك وأردك بعد انقضاء اليوم وتتخلصي من الضرة والسفر ، فإذا فعلت أحضر الشهود والولي ثم يردها .

وهذه الحيلة باطلة ; فإن المرأة إذا بانت صارت أجنبية منه ; فلا يجوز نكاحها إلا بإذنها ورضاها ، وهي لم تأذن في هذا النكاح الثاني ، ولا رضيت به ، ولو علمت أنها قد ملكت نفسها وبانت منه فلعلها لا ترغب في نكاحه ، فليس له أن يخدعها على نفسها ويجعلها له زوجة بغير رضاها .

فإن قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل جد النكاح كهزله ، وغاية هذا أنه هازل .

قيل : هذا ليس بصحيح ، وليس هذا كالهازل ; فإن الهازل لم يظهر أمرا يريد خلافه ، بل تكلم باللفظ قاصدا أنه لا يلزمه موجبه ، وذلك ليس إليه ، بل إلى الشارع ، وأما هذا فماكر مخادع للمرأة على نفسها ، مظهر أنها زوجته وأن الزوجية بينهما باقية وهي أجنبية محضة ; فهو يمكر بها ويخادعها بإظهار أنها زوجته وهي في الباطن أجنبية ; فهو كمن يمكر برجل يخادعه على أخذ ماله بإظهار أنه يحفظه له ويصونه ممن يذهب به ، بل هذا أفحش ; لأن حرمة البضع أعظم من حرمة المال ، والمخادعة عليه أعظم من المخادعة على المال ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية