الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ وجود المجاز ] الثالثة : هل هو موجود أم لا ؟ والجمهور من البيانيين على إثباته ووافقهم الإمام الرازي وغيره ، وأنكره السكاكي وابن الحاجب ، أما ابن الحاجب فقال : إنه حقيقة ، وإسناد السرور إلى الرؤية ليس بمجاز ; لأنه يصح إسناده إليها بحكم العادة ، وإسناد الفعل إلى ما هو له عادة حقيقة ، والمجاز إنما هو في المفرد أي في الفعل . وأما السكاكي فقال : إنه راجع إلى استعارة بالكناية ، فقولهم : أنبت الربيع البقل ، استعارة بالكناية ، عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه على قاعدة الاستعارة ، ونسبة الإنبات إليه قرينة الاستعارة ، وهكذا يصنع في بقية الأمثلة .

                                                      [ ص: 93 ] واحتج المنكر بأن المسند والمسند إليه إما أن يستعملا في موضوعهما فيكون الاستعمال حقيقيا ، أو يستعمل أحدهما في غير موضوعه فالإسناد للمعنى لا للفظ ، فاللفظ مجاز ، والإسناد حقيقة ، وإسناد مدلول المجاز لمدلول المجاز أو لمدلول الحقيقة حقيقة . مثاله : أحياني اكتحالي بطلعتك . فالإحياء مجاز أو عن السرور والاكتحال مجاز عن الرؤية ، وإسناد السرور إلى الرؤية حقيقة ، فالإسناد دائما للمعنى ، والمعنى نسبة شيء فلا يختلف . وأجاب القرافي عن هذا بوجهين : أحدهما أنا في مجاز التركيب لا نلاحظ المعنى أصلا ، بل مجرد اللفظ هل وضع ليركب مع هذا اللفظ أو لا ؟ فما وضع ليركب مع اللفظ فهو مجاز في التركيب . ثانيهما : أن السؤال مغالطة ; لأنا ادعينا أن تركيب لفظ الإحياء مع لفظ الاكتحال مجاز في التركيب ، وأنتم أثبتم تركيب لفظ السرور مع الرؤية ، وهو غير محل النزاع . ا هـ .

                                                      قيل : وهما فاسدان ، أما قوله في مجاز التركيب لا نلاحظ المعنى فممنوع ، وأي مجاز لا يلاحظ فيه المعنى ؟ وكيف يتصور ذلك والمجاز بنوعيه شرطه العلاقة ، وهي معنى ؟ وأما الثاني : فنقول : أي فرق بين تركيب لفظ الإحياء والاكتحال ، ولفظ السرور والرؤية ؟ وكل ما ثبت للشيء ثبت لمساويه والإحياء والاكتحال بالمعنى المجازي مساويان للسرور والرؤية . وممن أنكر مجاز التركيب ابن الحاجب في مختصره الكبير " و " أماليه " واستبعده في " الصغير " ورد على عبد القاهر في قوله في نحو : أحياني اكتحالي بطلعتك أن المجاز في الإسناد . قال ما معناه : ; لأن المجاز والحقيقة معتوران شيئا بحسب جهتين مختلفتين كالأسد يكون حقيقة ومجازا

                                                      [ ص: 94 ] باعتبار الحيوان المفترس والرجل الشجاع ، وأما إسناد الإحياء إلى الاكتحال ، فليس له إلا جهة واحدة وهي الله - تعالى - وحده ، فلا يتصور أن يقع من غيره فلا يكون مجازا في التركيب ، ولعبد القاهر أن يقول : نظير الأسد إن أخذت الإحياء مسندا إلى شيء فهو حينئذ له جهتان : جهة يسند فيها إلى ما هو له ، وجهة ينسب إلى غير ما هو له ، وإن أخذت الإحياء ، بقيد إسناده إلى الاكتحال ، فنظيره الأسد بقيد إرادة الرجل الشجاع ، ليس له إلا جهة واحدة . وقال بعض الأئمة في قول من قال : إن المجاز في التركيب مثل : أحياني اكتحالي بطلعتك : فيه نظر ; لأنك إذا رددت المفردات إلى ما هي مجاز عنه لم يبق في التركيب مجاز ، وذلك يدل على أن المجاز في المفردات . وطريق ردها إلى ما هي مجاز عنه أن أحياني مجاز عن سرني ، واكتحالي مجاز عن رؤيتي ، وطلعتك مجاز عن وجهك ، وإنما يكون المجاز في التركيب في مثل قول القائل : أحيا الأرض شباب الزمان ; لأنك وإن رددت المفردات إلى ما هي عليه بقي المجاز في الإسناد ; لأن إحياءها في الحقيقة إنما هو من الله تعالى . قلت : وينبغي أن يكون هذا الخلاف ليس في جوازه ولا في وقوعه بدليل الأمثلة ، وإنما الخلاف في كونه عقليا أو لغويا ، أي : في أن القول في هذا المجاز هل هو حكم عقلي أو لفظ وضعي ؟ وسنذكره ، وقد عكس أبو المطرف بن عميرة في كتاب " الشبهات " قول ابن الحاجب ، وقال : المجاز قط لا يكون إلا في التركيب ولا يكون في المفرد . نعم ، عند التعليم بالمثال قد يجاء باللفظ المفرد فيقال ، كما يقال للشجاع : هو أسد ، وللبليد : هو حمار ، والنحوي يقول : إعراب الفاعل الرفع والمفعول النصب ، كما [ ص: 95 ] يقول : زيد إذا جعلته فاعلا ، وزيدا إذا جعلته مفعولا ، فكان يلزم على هذا إذا قيل : ضرب زيد عمرا أن يقال في الإعراب الإفرادي ، وفي هذا التركيبي أو الإسنادي ، والإعراب حقيقة إنما هو في هذا ، وانظر أمثلتهم في الإسنادي ، وفي الإفرادي تجدها واحدة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية