الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل

                                                                                                                                                                                                                                      الذين قال لهم الناس يعني الركب الذين [ ص: 114 ] استقبلوهم من عبد قيس أو نعيم بن مسعود الأشجعي وإطلاق الناس عليه لما أنه من جنسهم وكلامه كلامهم، يقال فلان يركب الخيل ويلبس الثياب وما له سوى فرس فرد وغير ثوب واحد أو لأنه انضم إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه. إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم روي أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد: يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت، فقال عليه السلام: إن شاء الله تعالى، فلما كان القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مر الظهران فألقى الله تعالى في قلبه الرعب وبدا له أن يرجع فمر به ركب من بني عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوا المسلمين، وقيل: لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا، فسأله ذلك والتزم له عشرا من الإبل وضمنها منه سهيل بن عمرو فخرج نعيم ووجد المسلمين يتجهزون للخروج، فقال لهم: أتوكم في دياركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريد، أفترون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم ففروا، فقال عليه السلام: والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا كلهم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل، قيل: هي الكلمة التي قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي في النار. فزادهم إيمانا الضمير المستكن للمقول أو لمصدر قال أو لفاعله إن أريد به نعيم وحده، والمعنى: أنهم لم يلتفتوا إلى ذلك بل ثبت به يقينهم بالله تعالى وازداد اطمئنانهم وأظهروا حمية الإسلام وأخلصوا النية عنده، وهو دليل على أن الإيمان يتفاوت زيادة ونقصانا فإن ازدياد اليقين بالإلف وكثرة التأمل وتناصر الحجج مما لا ريب فيه، ويعضده قول ابن عمر رضي الله عنهما: قلنا: يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص؟ قال نعم; يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة، وينقص حتى يدخل صاحبه النار. وقالوا: حسبنا الله أي: محسبنا الله وكافينا من أحسبه إذا كفاه، والدليل على أنه بمعنى المحسب أنه لا يستفيد بالإضافة تعريفا في قولك: "هذا رجل حسبك". ونعم الوكيل أي: نعم الموكول إليه والمخصوص بالمدح محذوف، أي: الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية