الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن باع ثمرة بارزة ) [ ص: 555 ] أما قبل الظهور فلا يصح اتفاقا . ( ظهر صلاحها أو لا صح ) في الأصح . ( ولو برز بعضها دون بعض لا ) يصح . ( في ظاهر المذهب ) وصححه السرخسي وأفتى الحلواني بالجواز [ ص: 556 ] لو الخارج أكثر زيلعي . ( ويقطعها المشتري في الحال ) جبرا عليه

التالي السابق


مطلب في بيع الثمر والزرع والشجر مقصودا . ( قوله : ومن باع ثمرة بارزة ) لما فرغ من بيع الثمر تبعا للشجر شرع في بيعه مقصودا ولم يذكر حكم بيع الزرع والشجر مقصودا قال : في الدرر : لا يصح بيع الزرع قبل صيرورته بقلا ; لأنه ليس بمنتفع به ، وتابع للأرض ، فيكون كالوصف ، فلا يجوز إيراد العقد عليه بانفراده ، وإن باع على أن يتركه حتى يدرك لم يجز وكذا الرطبة والبقول ويجوز بيع حصته من شريكه مطلقا أي سواء بلغ أوان الحصاد أو لا ومن غيره بغير إذنه إن لم يفسخ إلى الحصاد فإنه حينئذ ينقلب إلى الجواز كما إذا باع الجذع في السقف ولم يفسخ البيع حتى أخرجه وسلمه . ا هـ .

ويأتي في المتن بيع البر في سنبله وفي البحر عن الظهيرية : اشترى شجرة للقلع يؤمر بقلعها بعروقها ، وليس له حفر الأرض إلى انتهاء العروق بل يقلعها على العادة إلا إن شرط البائع القطع على وجه الأرض ، أو يكون في القلع من الأصل مضرة للبائع ككونها بقرب حائط أو بئر فيقطعها على وجه الأرض ، فإن قطعها أو قلعها فنبت مكانها أخرى ، فالنابت للبائع إلا إذا قطع من أعلاها فهي للمشتري سراج ولو اشترى نخلة ولم يبين أنها للقلع أو للقرار قال : أبو يوسف [ ص: 555 ] لا يملك أرضها وأدخل محمد ما تحتها وهو المختار وإن اشتراها للقطع لا تدخل الأرض اتفاقا ، وإن للقرار تدخل اتفاقا وإن باع نصيبا له من شجرة بلا إذن الشريك جاز إن بلغت أوان قطعها وإلا فلا . ا هـ . وقدمنا في الشركة حكم بيع الحصة الشائعة من ثمر أو زرع أو شجر مفصلا موضحا فراجعه .

( قوله : أما قبل الظهور ) أشار إلى أن البروز بمعنى الظهور ، والمراد به انفراد الزهر عنها وانعقادها ثمرة وإن صغرت . ( قوله : ظهر صلاحها أو لا ) قال : في الفتح لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بدو الصلاح ، بشرط الترك ولا في جوازه قبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به ، ولا في الجواز بعد بدو الصلاح ، لكن بدو الصلاح عندنا أن تؤمن العاهة والفساد ، وعند الشافعي هو ظهور النضج وبدو الحلاوة والخلاف إنما هو في بيعها قبل بدو الصلاح على الخلاف في معناه ، لا بشرط القطع فعند الشافعي ومالك وأحمد لا يجوز ، وعندنا إن كان بحال لا ينتفع به في الأكل ، ولا في علف الدواب فيه خلاف بين المشايخ قيل : لا يجوز ونسبه قاضي خان لعامة مشايخنا ، والصحيح أنه يجوز ; لأنه مال منتفع به في ثاني الحال إن لم يكن منتفعا به في الحال ، والحيلة في جوازه باتفاق المشايخ أن يبيع الكمثرى أول ما تخرج مع أوراق الشجر فيجوز فيها تبعا للأوراق كأنه ورق كله ، وإن كان بحيث ينتفع به ولو علفا للدواب فالبيع جائز باتفاق أهل المذهب إذا باع بشرط القطع أو مطلقا . ا هـ . ( قوله : لا يصح في ظاهر المذهب ) قال : في الفتح : ولو اشتراها مطلقا أي بلا شرط قطع أو ترك فأثمرت ثمرا آخر قبل القبض فسد البيع ; لأنه لا يمكنه تسليم المبيع لتعذر التمييز فأشبه هلاكه قبل التسليم ، ولو أثمرت بعد القبض يشتركان فيه للاختلاط ، والقول قول المشتري في مقداره مع يمينه ; لأنه في يده وكذا في بيع الباذنجان والبطيخ إذا حدث بعد القبض خروج بعضها اشتركا كما ذكرنا . ا هـ .

ومقتضاه أنها لو أثمرت بعد القبض يصح البيع في الموجود وقت البيع ، فإطلاق المصنف تبعا للزيلعي محمول على ما إذا باع الموجود والمعدوم كما يفيده ما يأتي عن الحلواني ، ما ذكره في الفتح من التفصيل محمول على ما إذا باع الموجود فقط ، وعلى هذا فقول الفتح عقب ما قدمناه عنه ، وكان الحلواني يفتي بجوازه في الكل إلخ ، لا يناسب التفصيل الذي ذكره ; لأنه لا وجه لجواز البيع في الكل إذا وقع البيع على الموجود فقط فاغتنم هذا التحرير . ( قوله : وأفتى الحلواني بالجواز ) وزعم أنه مروي عن أصحابنا وكذا حكى عن الإمام الفضلي ، وقال : استحسن فيه لتعامل الناس ، وفي نزع الناس عن عادتهم حرج قال : في الفتح : وقد رأيت رواية في نحو هذا عن محمد في بيع الورد على الأشجار فإن الورد متلاحق ، وجوز البيع في الكل وهو قول مالك . ا هـ . قال : الزيلعي وقال : شمس الأئمة السرخسي : والأصح أنه لا يجوز ; لأن المصير إلى مثل هذه الطريقة عند تحقق الضرورة ولا ضرورة هنا ; لأنه يمكنه أن يبيع الأصول على ما بينا أو يشتري الموجود ببعض الثمن ، ويؤخر العقد في الباقي إلى وقت وجوده أو يشتري الموجود بجميع الثمن : ويبيح له الانتفاع بما يحدث منه ، فيحصل مقصودهما بهذا الطريق ، فلا ضرورة إلى تجويز العقد في المعدوم مصادما للنص ، وهو ما روي " { أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم } " ا هـ .

قلت : لكن لا يخفى تحقق الضرورة في زماننا ولا سيما في مثل دمشق الشام كثيرة الأشجار والثمار فإنه لغلبة الجهل على الناس لا يمكن إلزامهم بالتخلص بأحد الطرق المذكورة ، وإن أمكن ذلك بالنسبة إلى بعض أفراد الناس لا يمكن بالنسبة إلى عامتهم وفي نزعهم عن عادتهم حرج كما علمت ، ويلزم تحريم أكل الثمار في هذه البلدان [ ص: 556 ] إذ لا تباع إلا كذلك ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص في السلم للضرورة مع أنه بيع المعدوم ، فحيث تحققت الضرورة هنا أيضا أمكن إلحاقه بالسلم بطريق الدلالة ، فلم يكن مصادما للنص ، فلذا جعلوه من الاستحسان ; لأن القياس عدم الجواز ، وظاهر كلام الفتح الميل إلى الجواز ولذا أورد له الرواية عن محمد بل تقدم أن الحلواني رواه عن أصحابنا وما ضاق الأمر إلا اتسع ولا يخفى أن هذا مسوغ للعدول عن ظاهر الرواية كما يعلم من رسالتنا المسماة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف فراجعها . ( قوله : لو الخارج أكثر ) ذكر في البحر عن الفتح أن ما نقله شمس الأئمة عن الإمام الفضلي لم يقيده عنه بكون الموجود وقت العقد أكثر بل قال : عنه أجعل الموجود أصلا ، وما يحدث بعد ذلك تبعا .

( قوله : ويقطعها المشتري ) أي إذا طلب البائع تفريغ ملكه وهذا راجع لأصل المسألة . ( قوله : جبرا عليه ) مفاده أنه لا خيار للمشتري في إبطال البيع إذا امتنع البائع عن إبقاء الثمار على الأشجار ، وفيه بحث لصاحب البحر و النهر سيذكره الشارح آخر الباب .




الخدمات العلمية