الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5391 ) مسألة ; قال : ( وإذا تزوج كتابية ، فانتقلت إلى دين آخر من الكفر غير دين أهل الكتاب ، أجبرت على الإسلام ، فإن لم تسلم حتى انقضت عدتها ، انفسخ نكاحها ) الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة : ( 5392 ) الأول : أن الكتابي إذا انتقل إلى غير دين أهل الكتاب ، لم يقر عليه . لا نعلم في هذا خلافا ، فإنه إذا انتقل إلى دين لا يقر أهله بالجزية ، كعبادة الأوثان وغيرها ، مما يستحسنه ، فالأصلي منهم لا يقر على دينه ، فالمنتقل إليه أولى .

                                                                                                                                            وإن انتقل إلى المجوسية ، لم يقر أيضا ; لأنه انتقل [ ص: 102 ] إلى أنقص من دينه ، فلم يقر عليه ، كالمسلم إذا ارتد . فأما إن انتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب ، كاليهودي يتنصر ، أو النصراني يتهود ، ففيه روايتان ; إحداهما ، لا يقر أيضا ; لأنه انتقل إلى دين باطل ، قد أقر ببطلانه ، فلم يقر عليه ، كالمرتد . والثانية ، يقر عليه . نص عليه أحمد .

                                                                                                                                            وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار الخلال وصاحبه ، وقول أبي حنيفة ; لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب ، فأشبه غير المنتقل . وللشافعي قولان . كالروايتين . فأما المجوسي إذا انتقل إلى دين لا يقر أهله عليه ، لم يقر ، كأهل ذلك الدين . وإن انتقل إلى دين أهل الكتاب ، خرج فيه الروايتان ، وسواء فيما ذكرنا الرجل والمرأة ; لعموم قوله عليه السلام { : من بدل دينه فاقتلوه } . ولعموم المعنى الذي ذكرناه فيهما جميعا .

                                                                                                                                            ( 5393 ) الفصل الثاني : أن المنتقل إلى غير دين أهل الكتاب ، لا يقبل منه إلا الإسلام . نص عليه أحمد . واختاره الخلال وصاحبه . وهو أحد أقوال الشافعي ; لأن غير الإسلام أديان باطلة . قد أقر ببطلانها ، فلم يقر عليها كالمرتد . وعن أحمد أنه لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه ; لأن دينه الأول قد أقررناه عليه مرة .

                                                                                                                                            ولم ينتقل إلى خير منه ، فنقره عليه إن رجع إليه ، ولأنه منتقل من دين يقر أهله عليه ، إلى دين لا يقر أهله عليه ، فيقبل منه الرجوع إليه ، كالمرتد إذا رجع إلى الإسلام . وعن أحمد ، رواية ثالثة ، أنه يقبل منه أحد ثلاثة أشياء ; الإسلام ، أو الرجوع إلى دينه الأول ، أو دين يقر أهله عليه ; لعموم قوله تعالى { : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } . وإن انتقل إلى دين أهل الكتاب ، وقلنا : لا يقر . ففيه الروايتان ; إحداهما ، لا يقبل منه إلا الإسلام . والأخرى ، لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه .

                                                                                                                                            ( 5394 ) الفصل الثالث : في صفة إجباره على ترك ما انتقل إليه . وفيه روايتان ; إحداهما ، أنه يقتل إن لم يرجع ، رجلا كان أو امرأة ; لعموم قوله عليه السلام { : من بدل دينه فاقتلوه } . ولأنه ذمي نقض العهد ، فأشبه ما لو نقضه بترك التزام الذمة . وهل يستتاب ؟ يحتمل وجهين ; أحدهما ، يستتاب ; لأنه يسترجع عن دين باطل انتقل إليه ، فيستتاب ، كالمرتد . والثاني : لا يستتاب ; لأنه كافر أصلي أبيح قتله ، فأشبه الحربي .

                                                                                                                                            فعلى هذا إن بادر وأسلم ، أو رجع إلى ما يقر عليه ، عصم دمه وإلا قتل . والرواية الثانية ، عن أحمد قال : إذا دخل اليهودي في النصرانية ، رددته إلى اليهودية ، ولم أدعه فيما انتقل إليه ، فقيل له : أتقتله ؟ قال : لا ، ولكن يضرب ويحبس . قال : وإن كان نصرانيا أو يهوديا ، فدخل في المجوسية ، كان أغلظ ; لأنه لا تؤكل ذبيحته ، ولا تنكح له امرأة ، ولا يترك حتى يرد إليها . فقيل له : تقتله إذا لم يرجع ؟ قال : إنه لأهل ذلك .

                                                                                                                                            وهذا نص في أن الكتابي المنتقل إلى دين آخر من دين أهل الكتاب لا يقتل ، بل يكره بالضرب والحبس . ( 5395 ) الفصل الرابع : أن امرأة المسلم الذمية ، إذا انتقلت إلى دين غير دين أهل الكتاب ، فهي كالمرتدة ; لأن غير أهل الكتاب لا يحل نكاح نسائهم ، فمتى كان قبل الدخول ، انفسخ نكاحها في الحال ، ولا مهر لها ; لأن [ ص: 103 ] الفسخ من قبلها ، وإن كان بعده ، وقف على انقضاء العدة ، في إحدى الروايتين ، والأخرى ينفسخ في الحال أيضا . ( 5396 )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية