الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم التسليم يكون بالتخلية على وجه يتمكن من القبض [ ص: 562 ] بلا مانع ولا حائل . وشرط في الأجناس شرطا ثالثا وهو أن يقول : خليت بينك وبين المبيع فلو لم يقله أو كان بعيدا لم يصر قابضا والناس عنه غافلون ، فإنهم يشترون قرية ويقرون بالتسليم والقبض ، وهو لا يصح به القبض على الصحيح [ ص: 563 ]

وكذا الهبة والصدقة خانية . وتمامه فيما علقناه على الملتقى .

التالي السابق


( قوله : ثم التسليم ) أي في المبيع والثمن ولو كان البيع فاسدا كما في البحر ط .

مطلب فيما يكون قبضا للمبيع ( قوله : على وجه يتمكن من القبض ) فلو اشترى حنطة في بيت ودفع البائع المفتاح إليه وقال : خليت بينك وبينها ، فهو قبض وإن دفعه ولم يقل شيئا لا يكون قبضا ، وإن باع دارا غائبة فقال : سلمتها إليك فقال : قبضتها ، لم يكن قبضا ، وإن كانت قريبة كان قبضا : وهي أن تكون بحال يقدر على إغلاقها وإلا فهي بعيدة ، وفي جمع النوازل دفع المفتاح في بيع الدار تسليم إذا تهيأ له فتحه بلا كلفة ، وكذا لو اشترى بقرا في السرح فقال : البائع : اذهب واقبض إن كان يرى بحيث يمكنه الإشارة إليه يكون قبضا ، ولو اشترى ثوبا فأمره البائع بقبضه فلم يقبضه [ ص: 562 ] حتى أخذه إنسان إن كان حين أمره بقبضه أمكنه من غير قيام صح التسليم ، وإن كان لا يمكنه إلا بقيام لا يصح ، ولو اشترى طيرا أو فرسا في بيت ، وأمره البائع بقبضه ففتح الباب فذهب إن أمكنه أخذه بلا عون كان قبضا ، وتمامه في البحر .

مطلب في شروط التخلية وحاصله : أن التخلية قبض حكما لو مع القدرة عليه بلا كلفة لكن ذلك يختلف بحسب حال المبيع ، ففي نحو حنطة في بيت مثلا فدفع المفتاح إذا أمكنه الفتح بلا كلفة قبض ، وفي نحو دار فالقدرة على إغلاقها قبض أي بأن يكون في البلد فيما يظهر ، وفي نحو بقر في مرعى فكونه بحيث يرى ويشار إليه قبض وفي نحو ثوب ، فكونه بحيث لو مد يده تصل إليه قبض ، وفي نحو فرس أو طير في بيت إمكان أخذه منه بلا معين قبض . ( قوله : بلا مانع ) بأن يكون مفرزا غير مشغول بحق غيره ، فلو كان المبيع شاغلا كالحنطة في جوالق البائع لم يمنعه بحر . وفي الملتقط : ولو باع دارا وسلمها إلى المشتري وله فيها متاع قليل أو كثير لا يكون تسليما حتى يسلمها فارغة ، وكذا لو باع أرضا وفيها زرع . ا هـ . وفي البحر عن القنية : لو باع حنطة في سنبلها فسلمها كذلك لم يصح كقطن في فراش ، ويصح تسليم ثمار الأشجار وهي عليها بالتخلية وإن كانت متصلة بملك البائع ، وعن الوبري المتاع لغير البائع لا يمنع ، فلو أذن له بقبض المتاع والبيت صح وصار المتاع وديعة عنده . ا هـ .

مطلب اشترى دارا مأجورة لا يطالب بالثمن قبل قبضها قلت : ويدخل في الشغل بحق الغير ما لو كانت الدار مأجورة ، فليس للبائع مطالبة المشتري بالثمن لعدم القبض وهي واقعة الفتوى سئل عنها ورأيت نقلها في الفصل الثاني والثلاثين من جامع الفصولين : باع المستأجر ورضي المشتري أن لا يفسخ الشراء إلى مضي مدة الإجارة ثم يقبضه من البائع ، فليس له مطالبة البائع بالتسليم قبل مضيها ولا للبائع مطالبة المشتري بالثمن ما لم يجعل المبيع بمحل التسليم ، وكذا لو اشترى غائبا لا يطالبه بثمنه ما لم يتهيأ المبيع للتسليم ا هـ . ( قوله : ولا حائل ) بأن يكون في حضرته . ا هـ . ح وقد علمت بيانه . ( قوله : أن يقول خليت إلخ ) الظاهر أن المراد به الإذن بالقبض لا خصوص لفظ التخلية ، لما في البحر ولو قال : البائع للمشتري بعد البيع : خذ لا يكون قبضا ولو قال : خذه يكون تخلية إذا كان يصل إلى أخذه . ا هـ . وفي الفروع المارة ما يدل عليه أيضا . ( قوله : أو كان بعيدا ) أي وإن قال : خليت إلخ كما مر والمراد بالبعيد ما لا يقدر على قبضه ، بلا كلفة ، ويختلف باختلاف المبيع كما قررناه ، أو المراد به حقيقته ويقاس عليه ما شابهه .

( قوله : وهو لا يصح به القبض ) أي الإقرار المذكور ولا يتحقق به القبض وقيد بالقبض ; لأن العقد في ذاته صحيح ، غير أنه لا يجب على المشتري دفع الثمن لعدم القبض . ( قوله : على الصحيح ) وهو ظاهر الرواية ، ومقابله ما في المحيط وجامع شمس الأئمة أنه بالتخلية يصح القبض وإن كان العقار بعيدا غائبا عنهما عند أبي حنيفة خلافا لهما ، وهو ضعيف كما في البحر وفي الخانية والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية لأنه إذا كان قريبا يتصور فيه القبض الحقيقي في الحال فتقام التخلية مقام القبض ، أما إذا كان [ ص: 563 ] بعيدا لا يتصور القبض في الحال فلا تقام التخلية مقام القبض . ا هـ . هذا ثم إن ما ذكره الشارح هنا نقل مثله في أواخر الإجارات عن وقف الأشباه . ثم قال : قلت : لكن نقل محشيها ابن المصنف في زواهر الجواهر عن بيوع فتاوى قارئ الهداية أنه متى مضى مدة يتمكن من الذهاب إليها والدخول فيها كان قابضا وإلا فلا فتنبه . ا هـ . قلت : لكن أنت خبير بأن هذا مخالف للروايتين ، ولا يمكن التوفيق بحمل ظاهر الرواية عليه ; لأن المعتبر فيها القرب الذي يتصور معه حقيقة القبض كما علمته من كلام الخانية .

( قوله : وكذا الهبة والصدقة ) أي لا تكون تخلية البعيد فيهما قبضا قال : في البحر : وعلى هذا تخلية البعيد في الإجارة غير صحيحة فكذا الإقرار بتسليمها . ا هـ . قلت : ومفاده أن تخلية القريب في الهبة قبض ، لكن هذا في غير الفاسدة كما في الخانية حيث قال : أجمعوا على أن التخلية في البيع الجائز تكون قبضا وفي البيع الفاسد روايتان والصحيح أنه قبض وفي الهبة الفاسدة - كالهبة في المشاع الذي يحتمل القسمة - لا تكون قبضا باتفاق الروايات . واختلفوا في الهبة الجائزة ذكر الفقيه أبو الليث أنه لا يصير قابضا في قول أبي يوسف وذكر شمس الأئمة الحلواني أنه يصير قابضا ولم يذكر فيه خلافا . ا هـ .

[ تتمة ] : في البزازية قبض المشتري المشري قبل نقده بلا إذن البائع ، فطلبه منه فخلى بينه ، وبين البائع لا يكون قبضا حتى يقبضه بيده ، بخلاف ما إذا خلى البائع بينه وبين المشتري اشترى بقرة مريضة وخلاها في منزل البائع قائلا إن هلكت فمني وماتت ، فمن البائع لعدم القبض وكذا لو قال : للبائع : سقها إلى منزلك فأذهب فأتسلمها ، فهلكت حال سوق البائع فإن ادعى البائع التسليم فالقول للمشتري ، قال : المشتري للعبد : اعمل كذا أو قال : للبائع مره يعمل كذا فعمل فعطب العبد هلك من المشتري لأنه قبض قال : المشتري للبائع : لا أعتمدك على المبيع ، فسلمه إلى فلان يمسكه حتى أدفع لك الثمن ففعل البائع وهلك عند فلان هلك من البائع ; لأن الإمساك كان لأجله . اشترى وعاء لبن خائر في السوق فأمر البائع بنقله إلى منزله فسقط في الطريق فعلى البائع إن لم يقبضه المشتري . اشترى في المصر حطبا فغصبه غاصب حال حمله إلى منزله فمن البائع ; لأن عليه التسليم في منزل الشاري بالعرف . قال : للبائع زنه له وابعثه مع غلامك أو غلامي ففعل وانكسر الوعاء في الطريق فالتلف من البائع ، إلا أن يقول ادفعه إلى الغلام لأنه توكيل للغلام والدفع إليه كالدفع إلى المشتري . ا هـ .




الخدمات العلمية