الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله - عز وجل -:

وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون

هذه الآية تتضمن تعديد ما شرعوه لأنفسهم؛ والتزموه على جهة القربة؛ كذبا منهم على الله تعالى ؛ وافتراء عليه؛ فوصف تعالى أنهم عمدوا إلى بعض أنعامهم؛ وهي: الإبل؛ والبقر؛ والغنم؛ أو الإبل بانفرادها؛ وأما غيرها إذا انفرد فلا يقال له أنعام؛ وإلى بعض زروعهم وثمارها؛ وسمي ذلك "حرثا"؛ إذ عن الحرث يكون؛ وقالوا: هذه حجر؛ أي: حرام؛ وقرأ جمهور الناس: "حجر"؛ بكسر الحاء؛ وسكون الجيم؛ وقرأ قتادة ؛ والحسن ؛ والأعرج : "حجر"؛ بضم الحاء؛ وسكون الجيم؛ وقرأ ابن عباس ؛ وأبي؛ وابن مسعود ؛ وابن الزبير ؛ والأعمش ؛ وعكرمة ؛ وعمرو بن دينار : "حرج"؛ بكسر الحاء؛ وتقديم الراء على الجيم؛ وسكونها؛ فالأولى والثانية بمعنى: "التحجير"؛ وهو المنع؛ والتحريم؛ [ ص: 471 ] والأخيرة من "الحرج"؛ وهو التضييق؛ والتحريم.

وكانت هذه الأنعام - على ما قال ابن زيد - محللة للرجال؛ محرمة على النساء؛ وقيل: كانت وقفا لمطعم سدنة بيوت الأصنام وخدمتها؛ حكاه المهدوي؛ فذلك المراد بقوله تعالى من نشاء .

وقوله تعالى "بزعمهم"؛ أي: بتقولهم الذي هو أقرب إلى الباطل منه إلى الحق؛ وزعمهم هنا هو في قولهم: "حجر"؛ وتحريمهم بذلك ما لم يحرم الله تعالى ؛ وقرأ ابن أبي عبلة : "بزعمهم"؛ بفتح الزاي؛ والعين؛ وكذلك في الذي تقدم.

وأنعام حرمت ظهورها ؛ كانت للعرب سنن؛ إذا فعلت الناقة كذا من جودة النسل؛ والمواصلة بين الإناث؛ ونحوه؛ حرم ظهورها فلم تركب؛ وإذا فعل الفحل كذا؛ وكذا؛ حرم ظهره؛ فعدد الله تعالى ذلك على جهة الرد عليهم؛ إذ شرعوا ذلك برأيهم وكذبهم.

وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ؛ قيل: كانت لهم سنة في أنعام ما؛ ألا يحج عليها؛ فكانت تركب في كل وجه؛ إلا في الحج؛ فذلك قوله تعالىلا يذكرون اسم الله عليها ؛ هذا قول جماعة من المفسرين؛ ويروى ذلك عن أبي وائل؛ وقالت فرقة: بل ذلك في الذبائح؛ يريد أنهم جعلوا لآلهتهم منها نصيبا؛ لا يذكرون الله تعالى على ذبحها؛ وقوله تعالى "افتراء"؛ مصدر نصب على المفعول من أجله؛ أو على إضمار فعل؛ تقديره: "يفترون ذلك"؛ و "سيجزيهم"؛ وعيد بمجازاة الآخرة؛ والضمير في "عليه"؛ عائد على اسم الله تعالى ؛ و "يفترون"؛ أي: "يكذبون ويختلقون.

التالي السابق


الخدمات العلمية