الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
السادس : أن يذكر شيئان ، ثم يعود الضمير إلى أحدهما دون الآخر كقوله تعالى : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( الجمعة : 11 ) ، قال الزمخشري تقديره : إذا رأوا تجارة انفضوا إليها ، أو لهوا انفضوا إليه ; فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه .

ويبقى عليه سؤال ; وهو أنه : لم أوثر ذكر التجارة ؟ وهلا أوثر اللهو ؟ وجوابه ما قاله الراغب في تفسير سورة البقرة : إن التجارة لما كانت سبب انفضاض الذين نزلت فيهم هذه الآية أعيد الضمير إليها ، ولأنه قد تشغل التجارة عن العبادة ما لا يشغله اللهو .

واختلف في مواضع : منها قوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فإنه سبحانه ذكر الذهب والفضة وأعاد الضمير على الفضة وحدها ; لأنها أقرب المذكورين ، ولأن الفضة أكثر وجودا في أيدي الناس ، والحاجة إليها أمس ، فيكون كنزها أكثر ، وقيل : أعاد الضمير على المعنى ; لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال .

ونظيره : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( الحجرات : 9 ) ; لأن الطائفة جماعة ، وقيل : من عادة العرب إذا ذكرت شيئين مشتركين في المعنى تكتفي بإعادة الضمير على أحدهما ; استغناء بذكره عن الآخر اتكالا على فهم السامع ، كقول حسان : [ ص: 199 ]

إن شرخ الشباب والشعر الأس ود وما لم يعاص كان جنونا

ولم يقل : " يعاصا " .

ومنها قوله تعالى : فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ( الأحزاب : 9 ) وقد جعل ابن الأنباري في كتاب " الهاءات " ضمير لم تروها راجعا إلى الجنود .

ونقل عن قتادة قال : " هم الملائكة " والأشبه أن يأتي هنا بما سبق .

ومنها قوله تعالى : والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ( التوبة : 62 ) فقيل : " أحق " خبر عنهما ، وسهل إفراد الضمير بعدم إفراد " أحق " وأن إرضاء الله سبحانه إرضاء لرسوله .

وقيل : " أحق " خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه .

وقيل : العكس ، وإنما أفرد الضمير لئلا يجمع بين اسم الله ورسوله في ضمير واحد ، كما جاء في الحديث : قل ومن يعص الله ورسوله قال الزمخشري : قد يقصدون ذكر الشيء فيذكرون قبله ما هو سبب منه ، ثم يعطفونه عليه مضافا إلى ضميره ، وليس لهم قصد إلى الأول ; كقوله : سرني زيد وحسن حاله ; والمراد : حسن حاله ، وفائدة هذا الدلالة على قوة الاختصاص بذكر المعنى ، ورسول الله أحق أن يرضوه ، ويدل عليه ما تقدمه من قوله : الذين يؤذون النبي ويقولون ( التوبة : 61 ) ولهذا وحد الضمير ، ولم يثن .

ومنها قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه ( الأنفال : 20 ) .

[ ص: 200 ] ومنها قوله : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة ( البقرة : 45 ) ، فقيل : الضمير للصلاة ; لأنها أقرب المذكورين ، وقيل : أعاده على المعنى ; وهو الاستعانة المفهومة من ( استعينوا ) .

وقيل : المعنى على التثنية ; وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه .

ومنها قوله تعالى : ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا وهو نظير آية الجمعة كما سبق .

وفي هاتين الآيتين لطيفتان ، وهما : أن الكلام لما اقتضى إعادة الضمير على أحدهما أعاده في آية الجمعة على التجارة ، وإن كانت أبعد ، ومؤنثة أيضا ; لأنها أجذب للقلوب عن طاعة الله من اللهو ; لأن المشتغلين بالتجارة أكثر من المشتغلين باللهو ، أو لأنها أكثر نفعا من اللهو ، أو لأنها كانت أصلا واللهو تبعا ; لأنه ضرب بالطبل لقدومه ، كما جاء في " صحيح البخاري " : أقبلت عير يوم الجمعة وأعاده في قوله : ومن يكسب خطيئة أو إثما ( النساء : 112 ) على الإثم ; رعاية لمرتبة القرب والتذكير ، فتدبر ذلك .

وأما قوله تعالى : فبذلك فليفرحوا أي : بذلك القول .

التالي السابق


الخدمات العلمية