الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 109 ] الباب الثاني

                                                                                                                في الاضطرار

                                                                                                                وفيه ثلاثة مباحث :

                                                                                                                المبحث الأول : في حد الضرورة . قال اللخمي : هي خوف الموت أو الجوع ; لأنه يوجب المواساة لقوله ، عليه السلام : ( أطعموا الجائع ) وإذا وجبت المواساة جاز أخذ مال الغير ، وإذا جاز ماله جازت الميتة بالقياس ، فعلى هذا يأكل شبعه ويتزود ، وعلى الثاني لا يزيد على سد الرمق . قاله ( ش ) وإذا أكل مال مسلم اقتصر على سد الرمق إلا أن يعلم طول طريقه فيتزود ; لأن مواساته تجب إذا جاع . قال صاحب ( الإكمال ) : يأكل من الميتة ويتزود . قال مالك في ( الموطأ ) وقال غيره : ما يسد رمقه ، وقال عبد الملك : إن تغدى حرمت عليه يومه ، أو تعشى حرمت عليه ليلته ، وفي الجواهر : الضرورة ظن خوف الهلاك على النفس ، ولا يشترط الإشراف على الموت ; لأن الأكل حينئذ لا يفيد .

                                                                                                                [ ص: 110 ] فرع

                                                                                                                في الجواهر : إذا كان سبب الاضطرار معصية كسفر المعصية ، المشهور جواز الأكل ، وقاله ( ح ) ولا نقل فيها عن مالك ، والفرق بينه وبين القصر والفطر أن منعه يفضي إلى القتل ، وهو ليس عقوبة جنايته بخلافهما ، وقال ابن الجلاب و ( ش ) لا يأكل حتى يفارق المعصية لقوله تعالى : ( غير باغ ولا عاد ) ( البقرة : 173 ) أي ولا باغ بالمعصية ولا متعد ما يجوز له منها ، ولأن التوبة ممكنة ، فموته من جهته لا من منع الشرع ، واختاره القاضي أبو بكر ، وقال : ما أظن أحدا يخالفه ، والقائل بذلك مخطئ قطعا ، وتوقف القاضي أبو الحسن ، وقال اللخمي : إن كان العاصي بالسفر يتعين قتله كالمسافر إلى القتل أو الزنا ، لا يباح له الأكل ، وإلا فعلى القول بوجوب الأكل من الميتة لغير العاصي ، وهو قول ابن القصار وغيره حفظا للنفس - يجب هاهنا ، وعلى القول بالإباحة قياسا على الاستسلام للصيال ، وهو قول سحنون - يمنع هاهنا ، فإن اضطر بعد رجوعه من المعصية ، فكغير العاصي .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية