الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( و ) الأصح ( أنه يصح ضمان المؤجل حالا ) لتبرعه بالتزام التعجيل فصح كأصل الضمان واستشكل ذلك السبكي بما لو رهن بدين حال وشرط في الرهن أجلا أو عكسه فإنه لا يصح مع أن كلا وثيقة ويفرق بأن التوثقة في الرهن بعين وهي لا تقبل تأجيلا ولا حلولا وفي الضمان بذمة لأنه ضم ذمة لذمة والذمة قابلة لالتزام الحال مؤجلا وعكسه ( و ) الأصح ( أنه لا يلزمه التعجيل ) كما لو التزم الأصيل التعجيل فيثبت الأجل في حقه أو حق وارثه [ ص: 271 ] تبعا على الأوجه فلو مات الأصيل حل عليه أيضا نعم فيما إذا ضمن مؤجلا لشهرين مؤجلا لشهر لا يحل بموت الأصيل إلا بعد مضي الأقصر ( وللمستحق ) الشامل للمضمون له ولوارثه قيل وللمحتال مع أنه لا يطالبه لبراءة ذمته بالحوالة كما مر ويرد بأنه لا يشمله لأن المحتال ليس مستحقا بالنسبة للضامن ( مطالبة الضامن ) وضامنه وهكذا وإن كان بالدين رهن واف ( والأصيل ) اجتماعا وانفرادا وتوزيعا بأن يطالب كلا ببعض الدين لبقاء الدين على الأصيل وللخبر السابق { الزعيم غارم } ولا محذور في مطالبتهما وإنما المحذور في تغريمهما معا كل الدين ، والتحقيق أن الذمتين إنما اشتغلتا بدين واحد كالرهنين بدين واحد فهو كفرض الكفاية يتعلق بالكل ويسقط بفعل البعض فالتعدد فيه ليس في ذاته بل بحسب ذاتيهما ومن ثم حل على أحدهما فقط وتأجل في حق أحدهما فقط ولو أفلس الأصيل فطلب الضامن بيع ماله أولا أجيب إن ضمن بإذنه وإلا فلا لأنه موطن نفسه على عدم الرجوع .

                                                                                                                              ( فرع ) أفتى السبكي وفقهاء عصره تبعا للمتولي واعتمده البلقيني بأنه لو قال رجلان لآخر ضمنا مالك على فلان طالب كلا بجميع الدين كرهنا عبدنا بألف يكون نصف كل رهنا بجميع الألف وقال جمع متقدمون يطالب كلا بنصف الألف كاشترينا هذا [ ص: 272 ] بألف ومال إليه الأذرعي قال البدر بن شهبة وبهذا أفتيت عند دعوى الضامنين أنهما لم يضمنا ذلك إلا على أن على كل النصف وحلفتهما على ذلك لأن اللفظ ظاهر فيما ادعياه ا هـ .

                                                                                                                              وظاهر أن قياس الأولين على الرهن واضح والأخيرين على البيع غير واضح لتعذر شراء كل له بألف فتعين تنصيفه بينهما وإذا اتضح قياس الأولين اتضح ما قالوه ولا نسلم ظهور اللفظ فيما ادعياه وإلا لبطل ما ذكروه في الرهن وإنما تقسط الضمان في ألق متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون لأنه ليس ضمانا حقيقة بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع لئلا ينفر الناس عنها ثم رأيت شيخنا اعتمد ما اعتمدته .

                                                                                                                              قال وبه أفتيت وعلله بأن الضمان وثيقة لا تقصد فيه التجزئة وأبا زرعة اعتمده أيضا وفرق بنحو ما فرقت به وهو أن الثمن عوض الملك فوجب بقدره ولا معاوضة في الضمان ثم رأيت المتولي نفسه فرق بذلك .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله فيثبت الأجل ) ظاهره أصالة لا تبعا بخلاف ما يأتي ( قوله جواز زيادة الأجل ) لعله يثبت الأجل هنا مقصود لا تبعا كمسألة المتن ( قوله وهي لا تقبل تأجيلا ) قد يقال ليس قضية الشرط رجوع التأجيل والحلول للعين بل للتوثق بها ( قوله أو حق وارثه ) قضيته أنه لا يحل بموته وإلا لم يثبت في حق وارثه وهو ممنوع إلا بأقل وثبوته تبعا لا يقتضي عدم حلوله بموته بل يكفي فيه حلول بموت الأصيل فليراجع ( قوله [ ص: 271 ] لا يحل بموت الأصيل ) لأنه بالنسبة للشهر الثاني بمنزلة ضمان المؤجل حالا وللشهر الأول بمنزلة ضمانه مؤجلا فيثبت الأجل مقصودا في الأول وتبعا في الثاني فإن مات الأصيل في الشهر الأول لم يحل على الضامن أو في الشهر الثاني حل عليه فلهذا قال إلا بعد مضي الأقصر وهو الشهر الأول بأن مات في الشهر الثاني .

                                                                                                                              ( قوله ويرد إلخ ) بتأمل أن ليس معنى المستحق إلا من له الدين يشكل هذا الرد فتأمله ( قوله مع أنه لا يطالبه ) أي لا يطالب الضامن ( قوله ومن ثم حل إلخ ) قد يقال هذا بالتعدد أنسب منه بعدمه فتأمله ( قوله ولو أفلس الأصيل إلخ ) عبارة شرح الروض قال الماوردي ولو أفلس الضامن والمضمون عنه فقال الضامن للحاكم بع أولا مال المضمون عنه وقال المضمون له أريد أبيع مال أيكما شئت قال الشافعي إن كان الضمان بالإذن أجيب الضامن وإلا فالمضمون له انتهى .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لتبرعه ) إلى قوله وظاهر في النهاية إلا قوله أو حق وارثه ( قوله كأصل الضمان ) انظر ما فائدة صحته مع عدم لزوم الوفاء به ا هـ رشيدي عبارة البجيرمي عن ع ش الاختلاف ظاهر فيما لو ضمن الحال مؤجلا أما عكسه فلا يظهر فيه ذلك لعدم لزوم التعجيل للضامن فالتخالف بينهما إنما هو في مجرد التسمية ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله واستشكل ذلك ) أي تصحيح ضمان الحال مؤجلا وعكسه ( قوله ويفرق إلخ ) عبارة المغني أجيب بأن الشرط في المرهون إذا كان ينفع الراهن ويضر بالمرتهن أو بالعكس لم يصح وهنا الضرر واصل للراهن إما بحبس المرهون حتى يحل الدين وإما ببيعه في الحال قبل حلوله ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وهي لا تقبل تأجيلا ) قد يقال ليس قضية الشرط رجوع التعجيل والحلول للعين بل للتوثق بها ا هـ سم ( قوله في حقه ) أي الضامن ( قوله أو حق وارثه ) قضيته أنه لا يحل بموته وإلا لم يثبت في حق وارثه وهو ممنوع إلا بنقل وثبوته تبعا لا يقتضي عدم حلوله بموته بل يكفي فيه حلوله بموت الأصيل فليراجع ا هـ سم عبارة السيد عمر قوله فيثبت الأجل في حقه أي ما دام حيا بمعنى أنه لا يطالب إلا بعد الحلول أو حق وارثه أي عند موت المورث بمعنى أنه لا يطالب الوارث إذا أخذ منه الأصيل إلا بعد حلول الأجل [ ص: 271 ] فثبوته في حقهما مختلف بالمعنيين المذكورين ولكن المعنى الثاني سيصرح به ففي كلامه نوع تكرار ولا يضر كذا نقل عن تلميذه عبد الرءوف وهذا التوجيه يدفع ما أشار إليه الفاضل المحشي ويمكن أن يدفع ما أشار إليه الموجه من التكرار بأن ما سيأتي في المؤجل أصالة وهذا في المؤجل تبعا وهذا القدر كاف في دفع التكرار ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله تبعا ) أي لا مقصودا في أوجه الوجهين كما رجحه صاحب التعجيز في شرحه ا هـ نهاية قال المغني وتظهر فائدتهما فيما لو مات الأصيل والحالة هذه فإن جعلناه في حقه تابعا حل عليه وإلا فلا كما لو مات المضمون والراجح الثاني ا هـ أي خلافا للتحفة والنهاية ( قوله فلو مات إلخ ) تفريع على قوله تبعا ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله حل عليه أيضا ) أي على الضامن كالأصيل ومعلوم أنه يحل على الضامن بموته أي نفسه مطلقا ا هـ نهاية أي سواء قلنا يثبت تبعا أو مقصودا ع ش ( قوله لا يحل بموت الأصيل إلخ ) لأنه بالنسبة للشهر الثاني بمنزلة ضمان المؤجل حالا وللشهر الأول بمنزلة ضمانه مؤجلا فيثبت الأجل مقصودا في الشهر الأول وتبعا في الثاني فإن مات الأصيل في الشهر الأول لم يحل على الضامن أو في الشهر الثاني حل عليه فلهذا قال إلا بعد مضي الأقصر سم و ع ش ( قوله الشامل ) إلى قوله فهو كفرض إلخ في المغني إلا قول ويرد إلى المتن ( قوله مع أنه لا يطالبه ) أي أن المحتال لا يطالب الضامن ( قوله لبراءة ذمته إلخ ) أي حيث لم يتعرض المحيل للضامن بخلاف ما لو أحال عليهما فلا يبرأ فيطالب المحتال كلا من الأصيل والضامن كما مر ويمكن حمل كلام القيل على ذلك ا هـ .

                                                                                                                              ع ش وفي السيد عمر نحوه ( قوله كما مر ) أي في باب الحوالة .

                                                                                                                              ( قوله ويرد إلخ ) بتأمل أن ليس معنى المستحق إلا من له الدين يشكل هذا الرد فتأمل ا هـ سم أقول ويحمل المستحق على المستحق في باب الضمان كما هو المتبادر يندفع الإشكال ( قوله لبقاء الدين إلخ ) عبارة المغني أما الضامن فلحديث { الزعيم غارم } وأما الأصيل فإن الدين باق عليه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله معا كلا ) بالنصب لعلة باتباعه للضمير في تغريمهما بالنظر لمحله البعيد لأنه مفعول ولو قال في تغريم كل الدين كان أخصر وأوضح ا هـ سيد عمر ( قوله يتعلق ) أي فرض الكفاية بالكل أي بكل واحد من المكلفين ( قوله فلتعدد فيه ) أي في الدين ( قوله ومن ثم حل إلخ ) قال الشهاب ابن سم قد يقال هذا بالتعدد أنسب منه بعدمه انتهى ا هـ رشيدي ( قوله ولو أفلس ) إلى قوله قال البدر في المغني ( قوله ولو أفلس الأصيل إلخ ) عبارة المغني وشرح الروض قال الماوردي ولو أفلس الضامن والمضمون عنه فقال الضامن للحاكم بع أولا مال المضمون عنه وقال المضمون له أبدأ ببيع مال أيكما شئت قال الشافعي إن كان الضمان بالإذن أجيب الضامن وإلا فالمضمون له وإذا رهن رهنا وأقام ضامنا خير المستحق بين بيع الرهن ومطالبة الضامن على الصحيح ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أولا ) أي قبل غرم الضامن كأن قال بيعوا مال المفلس ووفوا منه ما يخص دين المضمون له فإن بقي شيء غرمته وليس المراد أن المضمون له يقدم بدينه على بقية الغرماء ا هـ ع ش ( قوله على فلان ) كان الأولى أن يزيد قوله وهو ألف كما في النهاية والمغني ليناسب قوله الآتي بنصف الألف ( قوله نصف كل ) عبارة النهاية والمغني حصة كل منهما ا هـ .

                                                                                                                              قال ع ش قوله م ر فإن حصة كل منهما رهن إلخ ضعيف ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وقال جمع متقدمون إلخ ) قال شيخنا الشهاب الرملي المعتمد في مسألة الضمان أن كلا ضامن للنصف فقط وفي مسألة الرهن أن نصف كل رهن بالنصف فقط فالقياس على الرهن قياس ضعيف على ضعيف ا هـ سم ووافقه أي الشهاب الرملي النهاية [ ص: 272 ] والمغني كما يأتي ( قوله ومال إليه الأذرعي إلخ ) وأنا أقول كما قال الأذرعي ا هـ .

                                                                                                                              مغني عبارة النهاية وقال الأذرعي والقلب إليه أميل وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى لأنه اليقين وشغل ذمة كل واحد بالزائد مشكوك فيه وبذلك أفتى البدر بن شهبة وبالتبعيض قطع الشيخ أبو حامد وهو الموافق للأصح في مسألة الرهن المشبه بها أن حصة كل مرهونة بالنصف فقط وقد قال ابن أبي الدم لا وجه للأول ا هـ أي مطالبة كل بجميع الألف ( قوله لبطل ما ذكروه في الرهن ) قد مر عن الشهاب الرملي والنهاية اعتماد بطلانه ( قوله وإنما تقسط إلخ ) جواب نشأ عن ترجيحه كلام الأولين من عدم التنصيف ( قوله وأبا زرعة اعتمده ) أي عدم التنصيف عطف على قوله شيخنا اعتمد ما إلخ




                                                                                                                              الخدمات العلمية