الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( والسنة أن يضطبع فيجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن ، ويطرح طرفيه على منكبه الأيسر ، ويكشف الأيمن . لما روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فاضطبعوا فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ، وقذفوها على عواتقهم } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عباس هذا صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح ، ولفظه عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ، فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى } ورواه البيهقي بإسناد صحيح [ ص: 26 ] قال : عن ابن عباس قال { اضطبع النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ، ورملوا ثلاثة أشواط ، ومشوا أربعا } وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعا ببرد } رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد صحيحة ، قال الترمذي : هو حديث حسن صحيح . وفي رواية البيهقي { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا } إسناده صحيح . وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت عمر يقول { فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب ؟ وقد وطد الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا نترك شيئا كنا نصنعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه البيهقي بإسناد صحيح قال أهل اللغة : الاضطباع مشتق من الضبع ، بفتح الضاد وإسكان الباء ، وهو العضد ، وقيل النصف الأعلى من العضد ، وقيل منتصف العضد ، وقيل هو الإبط . قال الأزهري : ويقال للاضطباع أيضا التوشح والتأبط وقوله " وسط ردائه " هو - بفتح السين - ويجوز إسكانها ، وسبق بيان هذا في باب موقف الإمام . واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على استحباب الاضطباع في الطواف واتفقوا على أنه لا يسن في غير طواف الحج والعمرة ، وأنه يسن في طواف العمرة وفي طواف واحد في الحج ، وهو طواف القدوم أو الإفاضة ، ولا يسن إلا في أحدهما ، وحاصله أنه يسن في طواف يسن فيه الرمل ، ولا يسن فيما لا يسن فيه الرمل ، وهذا لا خلاف فيه ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى بيان الطواف الذي يسن فيه الرمل . ومختصره أن الأصح من القولين أنه إنما يسن الرمل والاضطباع في طواف يعقبه سعي ، وهو إما القدوم وإما الإفاضة ولا يتصوران في طواف الوداع .

                                      ( والثاني ) أنهما يسنان في طواف القدوم مطلقا ، سواء سعى بعده أم لا .

                                      قال أصحابنا : لكن يفترق الرمل والاضطباع في شيء واحد وهو أن [ ص: 27 ] الاضطباع مسنون في جميع الطوفات السبع ، وأما الرمل إنما يسن في الثلاث الأول ويمشي في الأربع الأواخر . قال أصحابنا : ويسن الاضطباع أيضا في السعي . هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه شاذ أنه لا يسن فيه ، ممن حكاه الرافعي . وهل يسن الاضطباع في ركعتي الطواف ؟ فيه وجهان ( الأصح ) لا يسن ; لأن صورة الاضطباع مكروهة في الصلاة ، فإن قلنا لا يسن في الصلاة طاف مضطبعا ، فإذا فرغ من الطواف أزال الاضطباع وصلى ثم اضطبع فسعى . وإن قلنا إنه يضطبع في الصلاة اضطبع في أول الطواف ، ثم أدامه في الطواف ثم في الصلاة ، ثم في السعي ، ولا يزيله حتى يفرغ من السعي . واعلم أن هذين الوجهين في استحباب الاضطباع في ركعتي الطواف مشهوران في كتب الخراسانيين ، وقطع جمهور العراقيين بعدم الاستحباب . واتفق الخراسانيون على أنه الأصح قال القاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهما : سبب الخلاف أن الشافعي قال : ويديم الاضطباع حتى يكمل سعيه ، فقال بعضهم : سعيه ، بياء مثناة بعد العين ، وقال بعضهم : سبعة ، بباء موحدة قبل العين إلى الطوفات السبع . ثم المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور أنه يضطبع في جميع مسافة السعي بين الصفا والمروة . ومن أول السعي إلى آخره . وحكى الدارمي وجها عن ابن القطان أنه إنما يضطبع في موضع سعيه دون موضع مشيه . وهذا شاذ مردود ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) الاضطباع مسنون للرجل ولا يشرع للمرأة بلا خلاف ، لما ذكره المصنف ، ولا يشرع أيضا للخنثى . وفي الصبي طريقان ( أصحهما ) وبه قطع الجمهور : يسن له فيفعله بنفسه ، وإلا فيفعله به وليه كسائر أعمال الحج ( والثاني ) فيه وجهان ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا يشرع [ ص: 28 ] له ، قاله أبو علي بن أبي هريرة . وممن حكى هذا الطريق القاضي أبو الطيب في تعليقه والدارمي والرافعي وغيرهم ، قال القاضي أبو الطيب والدارمي : قال أبو علي بن أبي هريرة : لا يضطبع الصبي لأنه ليس من أهل الجلد .

                                      ( فرع ) قال الماوردي وغيره من الأصحاب : ولو ترك الاضطباع في بعض الطواف أتى به فيما بقي ، ولو تركه في الطواف أتى به في السعي .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب الاضطباع . وقال مالك لا يشرع الاضطباع لزوال سببه ، قال أصحابنا : هذا منتقض بالرمل بما قدمناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .




                                      الخدمات العلمية