الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الرخصة في بول ما يؤكل لحمه .

                                                                                                                                            37 - ( عن أنس بن مالك { أن رهطا من عكل أو قال عرينة قدموا فاجتووا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها } . متفق عليه . اجتووها : أي استوخموها ، وقد ثبت عنه أنه قال : { صلوا في مرابض الغنم } . )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( من عكل ) بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم . قوله : ( أو عرينة ) بالعين والراء المهملتين مصغرا : حي من قضاعة أو حي من بجيلة ، والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي ، والشك من حماد . ورواه البخاري في المحاربين عن حماد : أن رهطا من عكل أو قال : من عرينة ، قال : ولا أعلمه إلا قال من عكل . ورواه في الجهاد عن وهيب عن أيوب أن رهطا من عكل ، ولم يشك .

                                                                                                                                            وفي الزكاة رواه من طريق شعبة عن قتادة " أن ناسا من عرينة " ولم يشك أيضا . وكذا لمسلم من رواية [ ص: 69 ] معاوية بن قرة عن أنس . ورواه أيضا البخاري في المغازي عن قتادة .

                                                                                                                                            من عكل وعرينة بالواو العاطفة ، قال الحافظ : وهو الصواب ، ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبراني من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس ، قال : " كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل " . وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل وهو غلط ، بل هما قبيلتان متغايرتان ، فعكل من عدنان وعرينة من قحطان .

                                                                                                                                            قوله : ( فاجتووا ) قال ابن فارس : اجتويت المدينة إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة ، وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة . وقيل : الاجتواء : عدم الموافقة في الطعام ، ذكره القزاز ، وقيل : داء من الوباء ذكره ابن العربي . وقيل : داء يصيب الجوف ، والاجتواء بالجيم .

                                                                                                                                            قوله : ( فأمر لهم بلقاح ) بلام مكسورة فقاف فحاء مهملة النوق ذوات اللبن واحدتها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف ، قال أبو عمرو : يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون ، واللقاح المذكورة ظاهر الروايات أنها للنبي صلى الله عليه وسلم . وثبت في رواية للبخاري في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة بلفظ { فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة } .

                                                                                                                                            قال الحافظ : والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة ، وصادف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج قوله : ( أن يخرجوا فيشربوا ) في رواية للبخاري " وأن يشربوا " أي وأمرهم أن يشربوا .

                                                                                                                                            وفي أخرى له " فاخرجوا فاشربوا " وفي أخرى له أيضا " فرخص لهم أن يأتوا فيشربوا " . قوله : ( وقد ثبت . . . إلخ ) هو ثابت من حديث جابر بن سمرة عند مسلم . ومن حديث البراء عند أبي داود والترمذي وابن ماجه .

                                                                                                                                            قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم : قد صح في هذا الباب حديث البراء بن عازب وجابر بن سمرة . وقد استدل بهذا الحديث من قال بطهارة بول ما يؤكل لحمه ، وهو مذهب العترة والنخعي والأوزاعي والزهري ومالك وأحمد ومحمد وزفر وطائفة من السلف ، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخري والروياني . أما في الإبل فبالنص ، وأما في غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس . قال ابن المنذر : ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل ، ويؤيد ذلك تقرير أهل العلم لمن يبيع أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم . ويؤيده أيضا أن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة .

                                                                                                                                            وأجيب عن التأييد الأول بأن المختلف فيه لا يجب إنكاره ، وعن الاحتجاج بالحديث بأنها حالة ضرورية وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى: { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية