الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            54 -كشف الريب عن الجيب .

            بسم الله الرحمن الرحيم .

            مسألة : سأل سائل عن جيب قميص النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان على صدره كما هو المعتاد الآن في مصر وغيرها ؟ أو على كتفه كما يفعله المغاربة ، ويسميها أهل مصر فتحة حيدرية ، وذكر أن قائلا قال : إن هذا الثاني هو السنة ، وأن الأول شعار اليهود ؟ .

            الجواب : لم أقف في كلام أحد من العلماء على أن الأول شعار اليهود ، بل الظاهر أنه الذي كان عليه قميص النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي سنن أبي داود : ( باب في حل الأزرار ) ثم أخرج فيه من طريق معاوية بن قرة قال : حدثني أبي ، قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه ، وإن قميصه لمطلق " ، وفي رواية البغوي في معجم الصحابة لمطلق الأزرار [ ص: 112 ] قال : " فبايعته ، ثم أدخلت يدي في جيب قميصه ، فمسست الخاتم " ، قال عروة : فما رأيت معاوية ، ولا أباه قط إلا مطلقي أزرارهما في شتاء ولا حر ، ولا يزران أزرارهما أبدا ، فهذا يدل على أن جيب قميصه كان على صدره ، كما هو المعتاد الآن .

            وقول الفقهاء : لو رئيت عورة المصلي من جيبه في ركوع أو سجود لم يكف ، فليزرره أو يشد وسطه ، يدل على ذلك أيضا ; لأن العورة إنما ترى من الجيب في الركوع والسجود إذا كان على الصدر ، بخلاف الفتحة الحيدرية ، وقد ورد في ذلك حديث ، روى الشافعي في مسنده ، وأحمد والأربعة ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم عن سلمة بن الأكوع قال : قلت : " يا رسول الله ، إني رجل أصيد أفأصلي في القميص الواحد ؟ قال : نعم وازرره ولو بشوكة " ، ثم رأيت النقل في المسألة صريحا ، ولله الحمد .

            قال البخاري في صحيحه : باب جيب القميص من عند الصدر وغيره ، وأورد فيه حديث الجبتين في مثل المتصدق والبخيل ، وفيه : ويقول بأصبعه هكذا في جيبه .

            قال الحافظ ابن حجر في شرحه : فالظاهر أنه كان لابسا قميصا ، وكان في طوقه فتحة إلى صدره ، قال : بل استدل به ابن بطال على أن الجيب في ثياب السلف كان عند الصدر ، قال : وموضع الدلالة منه أن البخيل إذا أراد إخراج يده أمسكت في الموضع الذي ضاق عليها ، وهو الثدي والتراقي ، وذلك في الصدر ، فبان أن جيبه كان في صدره ; لأنه لو كان في غيره لم يضطر يداه إلى ثدييه وتراقيه ، قال الحافظ ابن حجر بعد إيراد كلام ابن بطال : وفي حديث قرة بن إياس الذي أخرجه أبو داود ، والترمذي وصححه ، وابن حبان لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فأدخلت يدي في جيب قميصه ، فمسست الخاتم " ما يقتضي أن جيب قميصه كان في صدره ; لأن في أول الحديث أنه رآه مطلق القميص ، أي : غير مزرر . انتهى .

            وأخرج الطبراني عن زيد بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نظر إلى عثمان بن عفان ، فإذا أزراره محلولة ، فزرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، ثم قال : اجمع عطفي ردائك على نحرك " هذا أيضا يدل على أن جيبه كان على صدره . وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) يعني : على النحر والصدر فلا يرى منه شيء .

            وقال ابن جرير في تفسيره : حدثني المثنى ، ثنا إسحاق بن الحجاج ، ثنا إسحاق بن إسماعيل عن سليمان بن أرقم ، عن الحسن قال : رأيت عثمان بن عفان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عليه قميص [ قوهي ] محلول الزر .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية