الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويطوف سبعا ; لما روى جابر قال { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فطاف بالبيت سبعا ثم صلى } فإن ترك بعض السبعة لم يجزه لأن النبي صلى الله عليه وسلم { طاف سبعا وقال : خذوا عني مناسككم } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث جابر رواه مسلم بمعناه ، قال { خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم نفر إلى مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } } وثبت عن ابن عمر قال { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، ثم خرج إلى الصفا } رواه البخاري ومسلم . وأما حديث { خذوا عني مناسككم } فرواه جابر قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول : لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه } رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ في أبواب رمي الجمار ، ورواه البيهقي في سننه في باب الإسراع في وادي محسر ، بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم [ ص: 29 ] من رواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا } والله أعلم أما حكم المسألة فشرط الطواف أن يكون سبع طوفات ، كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ، ولو بقيت خطوة من السبع لم يحسب طوافه ، سواء كان باقيا في مكة أو انصرف عنها وصار في وطنه ، ولا ينجبر شيء منه بالدم ، ولا بغيره بلا خلاف عندنا ، ولو شك في عدد الطواف أو السعي لزمه الأخذ بالأقل ، ولو غلب على ظنه الأكثر لزمه الأخذ بالأقل المتيقن كما سبق في الصلاة ، ولو أخبره عدل أو عدلان بأنه إنما طاف أو سعى ستا وكان يعتقد أنه أكمل السبع لم يلزمه العمل بقولهما ، لكن يستحب . هذا كله إذا كان الشك وهو في الطواف ، أما إذا شك بعد فراغه فلا شيء عليه ، ويحتمل أن يجيء فيه القول الضعيف في نظيره من الصلاة ، وهل يشترط موالاة الطوفات السبع ؟ فيه خلاف سنذكره مبسوطا إن شاء الله تعالى في أواخر أحكام الطواف حيث ذكر المصنف ، والأصح أنها لا تشترط .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أنه لو بقي شيء من الطوفات السبع لم يصح طوافه ، سواء قلت البقية أم كثرت ، وسواء كان بمكة أم في وطنه ، ولا يجبر بالدم . هذا مذهبنا ، وبه قال جمهور العلماء . وهذا مذهب عطاء ومالك وأحمد وإسحاق وابن المنذر . وقال أبو حنيفة : إن كان بمكة لزم الإتمام في طواف الإفاضة . وإن كان قد انصرف منها وقد طاف ثلاث طوفات لزمه الرجوع للإتمام ، وإن كان قد طاف أربعا لم يلزمه العود بل أجزأه طوافه وعليه دم . دليلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الطواف المأمور به سبعا ، فلا يجوز النقص منه كالصلاة .

                                      ( فرع ) ( في مذاهبهم في الشاك في الطواف ) . قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن من شك في عدد طوافه بنى على [ ص: 30 ] اليقين ، قال ولو اختلف الطائفان في عدد الطواف ، قال عطاء بن أبي رباح والفضيل بن عياض : يأخذ بقول صاحبه الذي لا يشك . وقال مالك : أرجو أن يكون فيه سعة . قال الشافعي : فمذهبه أنه لا يجزئه إلا علم نفسه لا يقبل قول غيره . قال ابن المنذر وبه أقول ، والله أعلم




                                      الخدمات العلمية